الاشتباكات الحدودية بين لبنان وسوريا تفتح ملف ترسيم الحدود من جديد

شهدت المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا في البقاع الشمالي اشتباكات متجددة. مما أعاد تسليط الضوء على ضرورة ترسيم الحدود البرية بين البلدين، والتي تمتد على مسافة 375 كيلومتراً من الشمال إلى البقاع. إن هذه التطورات دفعت الأوساط السياسية إلى التأكيد على أهمية ضبط المعابر غير النظامية التي تُستخدم في عمليات التهريب، لا سيما تهريب المخدرات المصنّعة في معامل سورية حدودية، والتي شكّلت أحد أسباب تدهور العلاقات اللبنانية مع دول الخليج العربي.

ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا: مساعٍ مؤجلة منذ 2010

برزت قضية ترسيم الحدود البرية لأول مرة بجدية خلال زيارة رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري إلى دمشق عام 2010، حيث ناقش الملف مع الرئيس السوري بشار الأسد. وآنذاك، تم تشكيل لجنة لبنانية تضم عسكريين ومدنيين، برئاسة قاضٍ، وتزويدها بخرائط وإحداثيات لتسهيل التفاوض مع الجانب السوري. ورغم استعداد الطرفين لمباشرة الترسيم من الحدود الشمالية، إلا أن وزير الخارجية السوري آنذاك، وليد المعلم، طلب تأجيل الاجتماعات بحجة انشغال اللجان السورية بترسيم الحدود مع الأردن.

المناطق المتداخلة ومعضلة المعابر غير الشرعية

بدلاً من المضي في ترسيم الحدود، تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة لمعالجة وضع المناطق الحدودية المتداخلة، خصوصاً في محافظتي الشمال والبقاع، حيث تسجل بعض العقارات في البلدين معاً. إلا أن الجانب السوري لم يتجاوب، وظلت اللجنة حبراً على ورق. وبحسب مصادر سياسية، فإن النظام السوري لم يكن لديه مصلحة في إغلاق المعابر غير الشرعية التي كانت تحت إشراف الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، والتي لعبت دوراً أساسياً في تسهيل تهريب المخدرات، وخاصة الكبتاغون، عبر الأراضي اللبنانية إلى دول الخليج.

حزب الله والواقع الأمني في المنطقة الحدودية

تشير المعلومات إلى أن التطورات الأخيرة دفعت الجانب اللبناني إلى تعزيز انتشاره الأمني للسيطرة على المناطق التي شهدت الاشتباكات، في حين بات من الضروري انسحاب “حزب الله” من هذه المناطق انسجاماً مع القرار الدولي 1701. ويرى مراقبون أن استمرار تدخل الحزب بذريعة دعم العشائر قد يعرّضه لانتقادات داخلية ودولية، في ظل الدعوات إلى منح النظام السوري الجديد فرصة لمناقشة الملفات العالقة، وأبرزها قضية ترسيم الحدود.

الترسيم: بين الحلول الأمنية والسياسية

في ظل استمرار التوتر، يبقى الحل الأمني مؤقتاً، فيما يتطلب إنهاء ملف “الجزر الأمنية” اتفاقاً سياسياً بين الحكومتين اللبنانية والسورية لإعادة فتح ملف ترسيم الحدود. إلى ذلك الحين، فإن أي حل جذري يتطلب تعاوناً بين الجانبين لإرساء الاستقرار، خصوصاً أن المشهد السياسي في البقاع يختلف عن الجنوب اللبناني، حيث لا وجود لقوات احتلال، مما يستدعي اعتماد حلول دبلوماسية لضمان الأمن على طول الحدود المشتركة.

المصدر: الشرق الأوسط، محمد شقير

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: