
بقلم جوزاف وهبه
الجامع المشترك ما بين المناسبات الثلاث التي شهدتها مؤخّراً كلّ من طرابلس وبيروت والجبل، إنّما هو “غياب حزب الله”.فالحزب الذي سبق وانخرط في جميع حروب المنطقة قد بات وحيداً..والسؤال:هل يندم أو لا يندم على ما اقترفته يداه؟
بالعودة إلى المناسبات الثلاث، يمكن القول أنّها غنيّة بالإشارات السياسيّة، ربطاً بالتموضعات المستجدّة في لبنان والمنطقة العربيّة والعالم:وكما يبدو، لن يبقى “حجر على حجر” في ما يسمّى “العالم القديم”..ولبنان، أيّاً كانت سياساته وتوازناته، لن يبقى بمنأى عن هذه التحوّلات العميقة:
-في طرابلس، يستعيد الرئيس نجيب ميقاتي “بعض” ما خسره في مشهد بيروت السياسي الأخير، من خلال تمكّنه من الجمع في دارته تحت سقف “إعلان طرابلس” موزاييك من القوى المؤثّرة في الساحة السنّية:رئيسا الحكومة السابقان فؤاد السنيورة وتمّام سلام، تيّار المستقبل (ما بعد الذكرى 20) ممثّلاً بالسيّدة بهيّة الحريري، عدد من النوّاب الحاليين والسابقين من المنية والضنّية وعكّار وطرابلس، ولو غاب عن اللقاء “بغير داعي السفر” كلّ من اللواء أشرف ريفي والوزير فيصل كرامي، بما يؤشّر لطلائع تحالفات سياسيّة جديدة، قد تبدأ بالإستحقاق البلدي الداهم في أيّار 2025، وربّما تستمرّ إلى الإستحقاق النيابي في أيّار 2026!
-في عائشة بكّار (دار إفتاء الجمهوريّة) إحتشد كلّ لبنان (ما عدا حزب الله..) في استعادة لتقليد رمضاني توقّف لفترة طويلة من الزمن.لقد نجح المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان في تفعيل دور الطائفة السنّية، من خلال مشاركة جميع رجالات الدولة والزعامات السياسية والدينية، بدءً برئيس الجمهورية جوزاف عون الذي ألقى كلمة في المناسبة، يحيط به رئيسا المجلس نبيه برّي والحكومة نوّاف سلام، إضافة إلى الرؤساء السابقين للجمهوريّة والحكومة، وصولاً إلى قيادات الأحزاب والتيّارات على اختلاف مشاربها، كسمير جعجع وجبران باسيل وسامي الجميّل، مع الوزراء والنوّاب والسفراء، وفي طليعتهم السفير السعودي وليد البخاري!
ولا بدّ من القول بأنّ المفتي دريان قد صنع – من خلال هذا الحشد الإستثنائي – حدثاً لبنانيّاً طال انتظاره، معيداً إلى الطائفة السنّية موقعاً إفتقدته بعد الغياب الدراماتيكي للرئيس رفيق الحريري، وبعد الغياب شبه الطوعي للرئيس سعد الحريري!
-المحطّة الثالثة كان الجبل مسرحها، وبطلها القائد الوطني كمال جنبلاط، وذلك بعد مرور 48 سنة على اغتياله على أيدي النظام السوري البائد.ولعلّ أهمّ ما في الحدث أنّ “وليد بك” قد أعلن إقفال هذا الملفّ وهذا التقليد، حيث أنّ نظام الأسد قد سقط إلى غير رجعة، وأنّ الضابط المكلّف آنذاك بتنفيذ عمليّة الإغتيال ابراهيم الحويجي قد وقع في قبضة قوى النظام الجديد، ما يعني أنّ عدالة الأرض قد حلّت على القتلة، بما يسمح لجنبلاط والحزب التقدّمي الإشتراكي أن يطووا هذه الصفحة، تمهيداً لقيام صفحة جديدة من العلاقات مع الرئيس الجديد لسوريا أحمد الشرع!
وما ينطبق على الذكرى 48 لاغتيال كمال جنبلاط، ربّما ينطبق على الذكرى 20 لاغتيال رفيق الحريري.فقتلة هذا الأخير قد طاولهم العقاب نفسه، وربّما أشدّ:بشّار الأسد لاجئاً في موسكو، وحسن نصرالله قتيلاً في الضاحية الجنوبية، إضافة إلى مقتل جميع المتورّطين والمنفّذين تباعاً في سوريا وفي لبنان.أي يستطيع الشيخ سعد الحريري أيضاً أن يطوي صفحة الماضي، وربّما هذا ما قصده تيّار المستقبل حين قال أركانه أنّ “ما بعد الذكرى 20 يختلف عمّا قبلها” في نوع من التأسيس السياسي الجديد!
3 محطّات سترخي، دون شكّ، بثقلها على المرحلة السياسيّة الجديدة التي دخل فيها لبنان، بعد انتخاب رئيس للجمهورية من خارج إرادة حزب الله، وتسمية رئيس للحكومة من خارج محور الممانعة أو التقليديين، وتشكيل حكومة لا ثلث معطّل فيها للثنائي الشيعي، ولا تمثيل للتيّار الوطني الحر كامتداد للحزب، ولتيّار المردة كامتداد لنظام بشّار الأسد..والأهمّ في هذه المحطّات الثلاث أنّها تدور في الساحة السنّية (بيروت وطرابلس) بمعنى عودتها إلى لعب دورها كاملاً وفاعلاً (كموالاة وكمعارضة)..بعد غياب طويل!