
لطالما كان وسط بيروت القلب التجاري والسياحي للعاصمة. إلا أن الأزمات الاقتصادية والسياسية منذ 2019، وانفجار المرفأ في 2020، وما تبعهما من جمود سياسي، أدت إلى تراجع حاد في الحركة الاقتصادية. حيث أغلقت المحال التجارية، وفقدت المطاعم زبائنها، وباتت الشوارع شبه مهجورة. لكن الأشهر الأخيرة شهدت تطورات إيجابية، مع انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، ما أعطى دفعة معنوية انعكست على النشاط في المنطقة.
عودة تدريجية للحركة التجارية
بدأت بعض المتاجر في وسط بيروت بإعادة ملء رفوفها، وفتحت المطاعم أبوابها مجدداً لاستقبال الزبائن، لا سيما خلال عطلات نهاية الأسبوع. ورغم أن الحركة ما زالت خجولة، إلا أن التوقعات تشير إلى تحسن مرتقب مع اقتراب موسمي الربيع والصيف، إلى جانب الحملات التسويقية التي تهدف إلى جذب الزوار، مثل الحملة الرمضانية الحالية. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر لا يزال يتمثل في استعادة ثقة المستثمرين والسياح، إذ كانت المنطقة وجهة رئيسية للعلامات التجارية العالمية، لكن عودتها تحتاج إلى استقرار اقتصادي وسياسي طويل الأمد.
تحديات إعادة الإحياء
لا تزال عدة عقبات تعترض طريق التعافي الكامل، أبرزها ارتفاع الإيجارات واحتكار العقارات، ما يجعل وسط بيروت بيئة غير جاذبة لصغار المستثمرين. كما أن غياب رؤية متكاملة تأخذ في الاعتبار البعد الاجتماعي والثقافي يعقّد عملية إعادة الإحياء، التي تتطلب أكثر من مجرد إعادة فتح الطرقات.
ضمن الإطار المذكور، تشمل الحلول المطروحة تقديم حوافز مالية مثل تخفيض الإيجارات، تحسين البنية التحتية، ودعم الشركات الناشئة، إلى جانب تعزيز العلاقات مع الدول العربية وإعادة استقطاب السياح الخليجيين، وهو ما قد يشكل عاملاً أساسياً في تحفيز النشاط التجاري.
عودة الشركات العالمية مؤشر على التعافي
كذلك، أوضح محافظ بيروت، القاضي مروان عبود، في تصريح خاص أن العاصمة شهدت تراجعاً منذ 2005 بسبب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، ما أدى إلى إغلاق العديد من المؤسسات. لكنه أشار إلى أن الأمور بدأت تتحسن بعد انتخاب الرئيس جوزاف عون وتشكيل حكومة برئاسة القاضي نواف سلام، حيث يجري العمل على رفع الأضرار، تحسين البنية التحتية، وتشجيع المستثمرين على العودة.
وكشف عبود عن أن “إحدى الشركات الهندسية العالمية قررت إعادة فتح مكاتبها في وسط بيروت، ما سيؤمن فرص عمل جديدة”، مشيراً إلى أن عودة الشركات الكبرى تدل على استعادة الثقة تدريجياً، وقد تصبح بيروت وجهة استثمارية مجدداً مع استمرار هذه الخطوات.
خطوات عملية لإعادة الإعمار
إلى جانب إزالة العوائق الإسمنتية، يجري العمل على تحسين إنارة الشوارع، إزالة الشعارات السياسية، تنظيم الأرصفة، والاعتناء بالمساحات الخضراء. كما سيتم ترميم واجهات المحلات وتشجيع أصحابها على إعادة تشغيلها وفق آلية واضحة.
هل يستعيد وسط بيروت بريقه؟
رغم هذه التطورات الإيجابية، لا يزال مستقبل وسط بيروت مرهوناً بتحقيق استقرار اقتصادي وإصلاحات مستدامة. فنجاح هذه الجهود يعتمد على مدى قدرة الدولة على جذب الاستثمارات، ودعم المشاريع الصغيرة، وتحقيق بيئة اقتصادية ملائمة. وبينما تشير بعض المؤشرات إلى بداية تعافٍ تدريجي، يبقى السؤال: هل ستكون هذه الخطوات كافية لإعادة وسط بيروت إلى دوره الحيوي، أم أنها مجرد محاولات قد لا تصمد أمام الأزمات المستمرة؟
المصدر: نداء الوطن، ريشار حرفوش