بقلم جوزاف وهبه

حسناً فعل ويفعل الرئيس نجيب ميقاتي إذ فتح باب النقاش حول الأوضاع الأمنيّة المتردّية في مدينة طرابلس والجوار، بالرغم من بعض الملاحظات التي تبدأ بجدوى حضور رجال الدين للقاءات المتتالية، ولا تنتهي بالضرورة مع الإشارة إلى فجوة غياب نوّاب المدينة عن هذا “الهمّ اليومي الكبير”..وحسناً فعل رئيس الحكومة نوّاف سلام إذ لبّى النداء وحضر أمنيّاً وتنموياً إلى كلّ من طرابلس ومطار رينه معوّض في عكار، ولكن رغم ذلك، يبقى الأكثر تعقيداً في هذه المسألة الشديدة الإلحاح هو السؤال المزدوج:أيّ خطّة نريد للمدينة..ومن أين يبدأ التطبيق؟
لا أدّعي الفهم العميق في شؤون الأمن وفي اللعبة الأمنيّة (إذا صحّ التعبير)، ولكنّي كمواطن يقلقه هذا الفلتان اليومي غير المسبوق وغير المفهوم، والذي بات يهدّد كلّ مقيم أو عابر في المدينة والجوار، وآخر فصوله ما حصل مع بعض المعارف المسنّين في عقر دارهم الكائنة قبالة منتجع لاس برلاس، حيث دخل عليهم ثلاثة ملثّمين عند الرابعة فجراً واستولوا على مالهم ومجوهراتهم بعد أن أخضعوهم للضرب والتهديد بالسلاح والتكبيل بمواد لاصقة، وفرّوا بسيارة الضحيتين إلى جهة مجهولة، ما يجعلنا غير آمنين، حتّى داخل منازلنا، وما يجعلنا نتساءل:إلى أين؟ ويجعلنا معنيّين بالتدخّل في الإشارة إلى مكامن مسؤولية الدولة والأجهزة الأمنيّة التي ساهمت وتساهم، عن قصد أو غير قصد، في هذه الفوضى القاتلة.
للخطّة الأمنيّة الجادّة والفعّالة بابان رئيسيان، ربّما لا ثالث لهما:
-ضبط ما يجري حول مركز النافعة في العيرونية، حيث يقوم حوالي عشرين شاباً من عرب الفوّار بالسيطرة الكاملة على الساعين إلى دفع مستحقّات الميكانيك أو الإستحصال على دفاتر السير والسوق، وعلى الموظفين مهدّدين إيّاهم بعدم القيام بأيّ معاملة دون المرور بالخوّة لصالحهم:المواطن يتعرّض مباشرة للضرب والإهانة، والموظّف تتعرّض سيّارته للتكسير والتخريب العلني..والسؤال:لماذا لا يتدخّل رجال الأمن لمنع ذلك؟أين كان وزير الداخلية إبن طرابلس بسّام مولوي الذي كان يتباهى بضبط شحنات الكابتاغون لأنّه كان يعتبرها ممرّاً إجباريّاً لكسب الرضى السعودي الذي يوصله إلى السراي الكبير؟ وأين أجهزة المخابرات وأمن الدولة والمعلومات؟لا يكفي القول بأنّ “مجموعة العشرين محميّون من قيادات زغرتا (طمعاً بأصوات العشائر الإنتخابية..).ولا حجّة تبرّر هذا التقاعس، ولا عذر لأحد في استمرار هذه السلبطة:مَن يريد مدينة آمنة في طرابلس، عليه أن يبدأ بضرب أحد رؤوس الأفعى في النافعة:فهل مَن يفعل؟
-قطع العلاقة وشبكة المصالح بين المسؤول الإداري الأكبر في المدينة (أي المحافظ رمزي نهرا)، بالترافق مع قبّة باط، كما يقال، من بعض قادة الأجهزة الأمنية، وبين أصحاب المولّدات الكهربائية الذين تحوّلوا إلى مافيا كاملة الأوصاف، بالمال والرجال والحصانة الإداريّة – الأمنية.فهؤلاء، أي أصحاب المولّدات وخاصّة الكبار منهم، قد تحوّلوا إلى ملاذ آمن لكلّ الخارجين على القانون الذين يعيثون فوضى وفساداً في الشوارع، ما يجعل عدوى الفوضى الأمنية تنتشر، ويجعل إطلاق الرصاص مُباحاً، والموت قاب قوسين من كلّ مواطن لا ناقة له ولا جمل!
ففساد أصحاب المولّدات بات فاقعاً لا يُطاق:كهرباء الدولة زادت ساعات تغذيتها اليومية إلى حوالي 8 ساعات (وأحياناً 10)، وهم يتقاضون الرسم الشهري نفسه (150 دولاراً عن كلّ 5 أمبير) أي أنّ أرباحهم قد زادت بشكل مثير وبغير وجه حقّ، غير مبالين لا بتركيب عدّادات، ولا بتخفيض التسعيرة، معتبرين أنفسهم فوق القانون وفوق وجع الناس.ومَن يعترض، مصيره التهديد والرصاص وأحياناً القتل.المنظومة الإدارية – الأمنية القائمة ترعى هذا التسيّب، ولا بدّ من المطالبة بتغييرها:فهل يفعل ذلك المجتمعون في مكتب المحافظ نهرا (الرئيس سلام ونواب طرابلس المنية الضنيّة) وفي دارة الرئيس ميقاتي؟
الأمن ليس مجرّد دوريّات مؤقّتة، أو حواجز طيّارة من حين إلى آخر، بل “هيبة”.والهيبة تقوم على ضرب الرؤوس الكبيرة (كما في النافعة..وفي المولّدات) حتّى يكونوا عبرة للصغار، فتنتظم الأمور وتخفّ الجريمة الفرديّة تدريجيّاً..وهذا كلّه لا يكون إلّا بقرار سياسي رفيع المستوى يترافق مع تغييرات في السلطة الأمنية المحلّية، ومع إجراءات مستدامة على الأرض، وإلّا نكون في دوّامة من اللقاءات العبثيّة الشكليّة، لا أكثر ولا أقل!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: