كتب د. عبدالله بارودي

ما حصل بالأمس في جلسة مجلس الوزراء ليس أمرًا عاديًا أو “قطوع و مرّ”. ما جرى يجب الوقوف عنده مطوّلًا، والتمعّن بخلفياته و أهدافه و امكانية استمراره!..
نُشرت بعض التحليلات على ان ما تمّ في مسألة تعيين حاكم مصرف لبنان “كريم سعيد” مجرّد اجراءًا طبيعيًا نصّت عليه المادة” 65″ من الدستور، و التي أجازت الذهاب الى التصويت في حال عدم الوصول الى التوافق بين الوزراء.
ما يعني بحسب أصحاب هذا الرأي، ان رئيس الحكومة ليس الا وزيرًا في هذه الحكومة، وبالتالي اعتراضه على اسم لمركز بأهمية حاكمية مصرف لبنان لا يستدعي سوى الذهاب الى التصويت!!..
و هذا في حقيقة الأمر كلام خطير يجب التوقف عنده دستوريًا قبل ان نتجاوزه الى الشأن أو الواقع السياسي..

خطورة هذا الكلام تنبع من محاولة اعادة الأمور في العلاقة و الصلاحيات بين رئيسيّ الجمهورية والحكومة الى ما قبل “اتفاق الطائف”، و هو ما كنّا قد حذّرنا منه مرارًا و تكرارًا في مقالات سابقة قبل اجراء الإنتخابات الرئاسية!!..

رئيس الحكومة بعد “اتفاق الطائف” لم يعد وزيرًا أولًا، ما يعني ان الإختلاف بينه و بين رئيس الجمهورية يتطلب “وقفة” و محاولات عديدة قبل اتخاذ القرار النهائي، و ليس الذهاب مباشرة الى التصويت، فالأمر ليس خلاف بين وزراء، بل اختلاف في وجهتي نظر رأسيّ السلطة التنفيذية!!.. هذا من الجانب الدستوري..

أما من الجانب السياسي فمن الواضح ان تسمية نواف سلام لرئاسة الحكومة لعبة خطيرة جرى تركيبها على “عجل” دون دراية و حساب النتائج ، و من “حَبَك” روايتها ظهر بأنه مجرّد “ولد مشاغب” أراد ان يرسم لنفسه دور البطولة، ليتحوّل تدريجيًا الى “كومبارس” في كل هذه المشهدية!..

من الواضح، ان العلاقة بين “عون” و “سلام” ليست على ما يُرام، وليست هي “الثنائية” التي كان الشعب اللبناني يتطلع اليها ويحلم معها ببناء لبنان الجديد.. و كل يوم تثبت الوقائع و المجريات السياسية بأن رئيس الجمهورية جوزاف عون لم يكن داعمًا لوصول نواف سلام لرئاسة الحكومة، و لم يتصوّر يومًا انه سيكون معه شريكًا حقيقيًا في السلطة التنفيذية!..

كل ما حصل في “موقعة” تسمية رئيس الحكومة في بعبدا، لم يكن بخاطر او على خاطر الرئيس عون، بل أتت “الرياح بعكس ما تشتهي سفن فخامته”!..
من التعيينات الأمنية وصولًا الى تعيين حاكم مصرف لبنان، وما بينهما من كارثة ابلاغ مدير عام “هيئة اوجيرو” عماد كريدية من قبل وزير الإتصالات بإنهاء خدماته و اعتباره مجرّد اجراءًا روتينيًا دون الأخذ بعين الإعتبار موقف رئيس الحكومة !..

دولة الرئيس، محطات ومواقف تتوالى و ستتوالى، و أصدقك القول من الآن، لن تكون بمعظمها لمصلحتك..

دولة الرئيس، لم نشك يومًا بمناقبيتكم وصدقكم واخلاصكم ونظافة كفكم..
لكن العمل السياسي و قيادة الناس ومواصفات رجالات الدولة في لبنان، تتجاوز هذه المواصفات..

و ما مارسته خلال الأشهر القليلة الماضية في “السراي الحكومي” و ما اتخذته من قرارات، لا توحي بأنك قادر على صياغة شراكة حقيقية مع رئيس الجمهورية، بل ستكون في موقع الخاسر الأكبر عند كل استحقاق، و هو ما سيؤثر حُكمًا على موقع “الرئاسة الثالثة” في نظام الحكم..

لذا، يا دولة الرئيس، اغمض عينيك، اعد تنظيم أفكارك، رتّب أولوياتك، اوزن حملك، انسى كل من حولك، ضع مصلحة البلد أمام ناظريك، و لا تنسى قيمة وأهمية “موقعك” و كرامة “طائفتك”..

بناءًا على كل ذلك ، اتخذ القرار، عُد الى دارتك، و نَم قرير العين مرتاح الضمير !..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: