انتخابات البلدية 2025.. العائلات اولاً!!

بقلم خالد صالح

سألت “أنديرا غاندي” والدها: ماذا يحدثُ في زمن الحروب؟، أجابها: ينهار التعليم والاقتصاد !!، فسألته مجدّدًا: وماذا يحدث عندما ينهار التعليم والاقتصاد؟، فردّ عليها: تهنار الأخلاق !!، فاستفسرت منه مرة ثانية: وماذا يحدث أيضًا لو انهارت الأخلاق؟، فأجابها بمنتهى الحكمة والرزانة: وما الذي يبقيكِ في بلدٍ انهارت أخلاقه !!
يستطيعُ الانسان أن يتعايشَ في أيّ مجتمع فيه بعض النقصان الغذائي أو الاقتصادي المالي الترفيهي، إلا انعدام الأخلاق، لأن هذا الأمر يتركُ المجال مفتوحًا كي يسودَ “اللئام” وتندثر القوانين والأنظمة والأعراف ويقلّ الخير، ويتحوّل كلّ شيء إلى غابة، وبهذا تصبح الحياة الكريمة شبه مستحيلة ..
ويقول العالم العربي الكبير “ابن سينا”: “لقد بُلينا بقوم يظنّون أن الله لم يهدِ سواهم، يدعونَ الناس إلى الجنة وهم عاجزون عن دعوة يتيم إلى مائدة، يدعون الناس إلى الجنة وأوطانهم مليئة بالمتسولين وماسحي الأحذية، حمقى البلاد وقطاع الطرق، أخذوا مال الأرض وورثوا بيت السماء! .. أي ربّ ربكم؟! أي دين دينكم؟!
عودٌ على بدء
رغم أن دعوة وزير الداخلية الهيئات الناخبة في لبنان لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية صارت أمرًا واقعًا، إلا أن الحديث لايزال دائرًا في الأوساط السياسية عن احتمال تأجيلها إلى الخريف المقبل، تحت حجج وذرائع واهية، من دون الالتفات إلى الاهتراء الكبير والشديد الذي طاول البلديات على مساحة الوطن بين الشلل نتيجة الظروف التي عايشها لبنان، وبين التأجيل الذي فرضه السياسيون بلا أي رادعٍ أو وازع.
يأتي الحديث عن “التأجيل الرابع” ليثير قلق المجتمعات اللبنانية على هذا الاستحقاق الذي ينتظرونه بفارغ الصبر، ورغم أن دعوة الهيئات الناخبة بث الحرارة في شرايين القرى والبلدات والعائلات، إلا أنّ الطبقة السياسية “العميقة” المتغلغلة في مجتمعاتنا تُدرك أنها غير مستعدة بعد لهذا الاستحقاق، الذي يُعتبر صورة مصغّرة عن الاستحقاق الفعلي والأهم وهو الانتخابات النيابية ربيع العام المقبل، وهنا “مربط الفرس” ..
غالبية القوى السياسية تُدرك أن الواقع المهيمن على حياة اللبنانيين سينعكس إلى حدًّ كبير على نتائج الانتخابات البلدية، ولن يكون لها أي تأثير فعلي على تسييرها وفق تطلعاتهم، وبالتالي هناك خشية كبيرة من انكشاف أحجامها التمثيلية، لاسيما وكما هو معتاد فإن “الهوى” البلدي ينحاز دائمًا إلى واقع “العائلات” الذي يتقدّم على واقع القوى الفاعلة إلا فيما يتعلّق ببعض المدن، وبالتالي فإن البعض مما تسلّق على “17 تشرين” لن يكونَ له أيّ تأثيرٍ على الانتخابات البلدية، فبادر بسرعة إلى تقديم اقتراح لتأجيلها .
العائلات أولًا
بدأت “حماوة” الانتخابات ترتفع شيئًا فشيئًا في المدن والقرى والبلدات اللبنانية، وأسهمت بشكل فعّال بـ “حراك عائلي” لافت بعيدًا عن أي توجهات سياسية، ونتيجة للفترة القاسية التي شهدها لبنان منذ الـ 2019 وحتى اليوم، من الواضح أنّ انتخابات هذا العام لن تشبه الانتخابات الماضية، حين كانت الأحزاب السياسية تُساهم بشكل أو بآخر في وضع لمساتها داخل اللوائح، وتُشارك في عملية الاستقطاب ودعم بعض المرشحين .
أما اليوم ونتيجة للخلل الذي أصاب البنى الحزبية عمومًا، فإن الأحزاب تجدُ نفسها مرغمة على النأي بنفسها عن هذا الصراع، لأنها تستشعر أن الناس قد “كفروا” بهم وبأدائهم الذي جرّ البلاد إلى الانهيار، وأنهم تواقون لبلورة معادلات محلية جديدة تُعيد القيادة إلى “العائلات” التي سجّلت تقدّمًا واضحًا داخل النسيج الاجتماعي متفوقة على القيادات الحزبية، وهنا تكمن القراءة الموضوعية لبعض السياسيين الذي يهابون الموقف مخافة تلقيهم “صفعة” قوية هم بالغنى عنها .
لذلك من المتوقّع أن تشهد الانتخابات البلدية تجاذبًا شديدًا بين من ينادي بحتمية خوضها ومن يريد ترحيلها إلى الخريف المقبل، وحتى اللحظة لا مكان في المنتصف بين الفريقين، فالعائلات تريدها وبدأت تعدّ العدة لها بينما القيادات السياسية المتحكمة بمفاصل البلاد تلامس خطر هذا الاستحقاق ومدى انعكاسه على أوضاعهم ونحن على مسافة سنة من الاستحقاق الكبير المتمثل بالانتخابات النيابية .

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: