ثوابت لبنان في وجه الضغوطات الدولية

جاءت زيارة نائبة المبعوث الأميركي الخاص للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى بيروت هذه المرة بنبرة مختلفة تماماً عن زيارتها السابقة، إذ اختفت لغة الوعيد والتهديد لتحلّ محلّها مقاربة هادئة تتسم بالحوار وتبادل النيات الحسنة. وقد شملت لقاءاتها كلاً من رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام، إضافة إلى عدد من الوزراء. ووفقاً لمصادر رئاسية، كان النقاش مركّزاً على كيفية إيجاد حلول للعقد التي تعيق تطبيق القرار 1701، لا سيما في ما يخص حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وسحب سلاح “حزب الله” كمدخل لبسط سلطة الدولة على أراضيها.

وتشير المصادر إلى أن أورتاغوس تحدّثت خلال لقاءاتها بلغة اتسمت بالهدوء والمرونة، بخلاف ما شهدته زيارتها الأولى، مع تأكيدها على تمسّك واشنطن بحصرية السلاح بيد الدولة. وفي المقابل، أبلغها الرؤساء الثلاثة أن هذه المسألة لم تعد موضع نقاش، بل باتت من الثوابت، ويبقى التحدي محصوراً بالتوقيت المناسب لسحب السلاح غير الشرعي، وهي مسألة تتولاها الدولة اللبنانية من خلال تواصلها مع “حزب الله” لصياغة آلية استيعاب تدريجي للسلاح.

المصادر نفسها شددت على أن الدولة اللبنانية مستعدة لوضع استراتيجية دفاعية لا تعني بأي حال تأجيل أو تسويف مسألة نزع السلاح غير الشرعي. وأكدت أن أورتاغوس سمعت موقفاً موحداً من الرؤساء الثلاثة بشأن التزام لبنان ببنود القرار 1701، في مقابل اتهام إسرائيل بالتنصل من التزاماتها واستمرارها في احتلال النقاط الخمس الحدودية وخروقها المتكررة للسيادة اللبنانية، الأمر الذي يحول دون توسّع انتشار الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل” حتى الحدود الدولية. كما جرى التأكيد أن “حزب الله” انسحب من جنوب الليطاني ولم يرد على الاعتداءات الإسرائيلية، فيما يتولى الجيش اللبناني حالياً مسؤولية منشآته العسكرية بما فيها الأنفاق.

أبدت أورتاغوس ارتياحها لدور الجيش اللبناني في الجنوب وضبطه للحدود مع سوريا، كما أشادت بالإجراءات الأمنية في مطار رفيق الحريري الدولي، مؤكدة التزام واشنطن بدعم المؤسسة العسكرية اللبنانية، ومعلنة نية بلادها تزويد الجيش بمروحيات بانتظار موافقة الكونغرس.

وعلى الرغم من الشائعات التي تحدّثت عن مهلة زمنية أميركية لسحب سلاح “حزب الله”، نفت أورتاغوس في اجتماعاتها أن يكون هناك جدول زمني ضاغط، مؤكدة تفهّم بلادها للظروف الداخلية اللبنانية، مع تمسّكها بمبدأ احتكار الدولة للسلاح، وهو ما أكده الرئيس عون التزاماً بما تعهّد به في خطاب القسم، وكرّسته حكومة نواف سلام في بيانها الوزاري.

في هذا السياق، وصف الرئيس نبيه بري اجتماعه بأورتاغوس بالإيجابي، معتبراً أنه يختلف جذرياً عن لقائهما السابق. ونقلت المصادر أن اللقاءات عكست وحدة موقف لبناني رسمي حيال الالتزامات الدولية، خصوصاً ما يتعلق بتطبيق القرار 1701 الذي تم التوصل إليه بدفع أميركي – فرنسي مشترك، ويشرف على تنفيذه حالياً فريق خماسي بقيادة الجنرال الأميركي جاسبر جيفرز.

وطرح الجانب اللبناني أمام أورتاغوس ضرورة الضغط على إسرائيل للإفراج عن الأسرى اللبنانيين، ووقف الخروقات، والانسحاب من النقاط الحدودية الخمس، تمهيداً لتثبيت الحدود البرية، على غرار ما جرى في ملف ترسيم الحدود البحرية برعاية أميركية.

رغم أن التطبيع مع إسرائيل لم يكن من ضمن المواضيع المطروحة في اللقاءات، كشفت مصادر سياسية أن أورتاغوس لا تمانع مناقشة ضمّ النقاط الخمس وسواها من النقاط الـ13 الواقعة على الخط الأزرق ضمن آلية ترسيم وتثبيت الحدود البرية بين البلدين. غير أن الجانب اللبناني شدد على ضرورة توفير الظروف المناسبة لذلك، بما يشمل التزاماً إسرائيلياً واضحاً بالانسحاب الكامل من الأراضي المحتلة في الجنوب.

وفي معرض تقييمها للواقع السياسي، عبّرت أورتاغوس عن ارتياحها للدور الذي يلعبه الرئيس عون ورئيس الحكومة سلام، رافضة كل ما يُشاع عن وجود ملاحظات أميركية على أدائهما، سواء لجهة خطاب القسم أو البيان الوزاري. كما رحبت بالتعيينات الأمنية والعسكرية الأخيرة، واعتبرت أن لبنان يقف أمام فرصة دولية لا ينبغي تضييعها في ظل التحولات الإيجابية التي تشهدها المنطقة.

وفي ما يتعلّق بالتنسيق بين الجيش و”حزب الله”، كشفت المصادر أن التواصل لم ينقطع، وأنه يتناول حالياً كيفية الانتقال إلى مرحلة استيعاب السلاح ضمن إطار تنفيذ القرار 1701، بما يتوافق مع ما ورد في اتفاق الطائف، الذي يحظى بتأييد الحزب أيضاً. كما تم التطرق إلى ضرورة ضبط الأوضاع شمال الليطاني، تفادياً لأي ذرائع قد تستخدمها إسرائيل لتوسيع هجماتها، كما حدث مؤخراً في الضاحية الجنوبية.

وحذّرت أورتاغوس خلال اللقاءات من الرهان على نتائج الحوار الأميركي – الإيراني، معتبرة أنه لا يمكن التنبؤ بمصيره، إنْ استُكمل أو توقّف. ودعت اللبنانيين إلى الانصراف لترتيب بيتهم الداخلي، وتنفيذ الإصلاحات المتفق عليها، بالتوازي مع استكمال حصر السلاح بيد الدولة.

وفي ختام زيارتها، عقدت أورتاغوس اجتماعاً مع وزيري المال ياسين جابر، والاقتصاد عامر البساط، إضافة إلى حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، تناول الإصلاحات الاقتصادية التي بدأت الحكومة في تنفيذها، سواء من خلال القوانين المقرّة أو المشاريع قيد الإعداد. وتم التأكيد أن وفداً رسمياً يضم الوزيرين والحاكم سيشارك في اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي في واشنطن خلال الشهر الجاري، في خطوة تُعدّ مؤشراً على جدية لبنان في المضي بخطوات إصلاحية واسعة.

المصدر:محمد شقير – الشرق الأوسط

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: