أمين الجميل: السعودية كانت سند لبنان

مرَّ عهد الرئيس أمين الجميل (1982-1988) بظروف معقدة وأحداث صاخبة. فقد شهد لبنان انقسامات عميقة، وتفاقم الصراع الإقليمي والدولي. بدأ العهد في ظل الغزو الإسرائيلي لبيروت، واغتيال شقيقه، الرئيس المنتخب بشير الجميل. لم تأتِ السنة التالية للغزو إلا بتحديات جديدة، حيث دعم كل من موسكو ودمشق رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في «حرب الجبل»، والتي أحدثت انقسامًا بين الدروز والموارنة. في 1984، قامت دمشق بدعم رئيس حركة «أمل» نبيه بري في «انتفاضة 6 شباط»، التي بدورها غيّرت توازن القوى الطائفية في لبنان.

وفي 1983، هزت انفجارات انتحارية مقري قوات «المارينز» و«الوحدة الفرنسية» في لبنان، ما أسفر عن مئات القتلى وانسحاب الدعم الغربي. وعلى وقع تلك التفجيرات، تأسس «حزب الله»، الذي أصبح اللاعب الرئيس في لبنان، خاصة بعد أن ورث الدور السوري فيه. على الرغم من محاولات سوريا لإبرام «سلام الميليشيات» من خلال «الاتفاق الثلاثي»، إلا أن هذه المحاولات فشلت، ما فتح الباب لمزيد من الحروب وجولات التفاوض.

ورغم محاولات محاصرة عهده، لم يستسلم الجميل. فقد عمل على الحفاظ على علاقات لبنان الغربية، مع تعزيز الروابط مع الدول العربية المعتدلة، وكذلك بناء علاقات مع الرئيس العراقي صدام حسين والعقيد الليبي معمر القذافي، كما أكد في مقابلاته الأخيرة مع «الشرق الأوسط».

علاقة خاصة بالمملكة العربية السعودية

في حديثه عن علاقته بالمملكة العربية السعودية، أكد الجميل أنه يشعر بالفخر لهذه العلاقة التي تربطه بالملوك السعوديين، بدءاً من الملك فيصل وصولًا إلى الملك سلمان بن عبد العزيز. وأضاف: “السعودية هي الأخ الأكبر للبنان، هي التي لم تطعن لبنان في الظهر، وكانت دائمًا إلى جانبه في السراء والضراء، وقدمت الدعم المعنوي والاجتماعي في كل الأوقات”.

وذكر الجميل قصة مع الملك سلمان عندما كان أميرًا للرياض، حيث اصطحبه إلى الصحراء، وأظهر له المكان الذي كان يملك فيه أحدث وسائل الاتصال. “أنت هنا، بيتك هنا”، قال الملك سلمان للجميل في تلك الزيارة، مما يعكس العلاقة الحميمة بينهما.

صدّام حسين والسيارة المصفحة

علاقة الجميل مع الرئيس العراقي صدام حسين كانت مميزة أيضًا. وقال الجميل: “كانت العلاقة حميمة جدًا، وكان صدام يهتم بأمنه شخصيًا. عندما تعرضت لمحاولة اغتيال، أرسل لي سيارته المصفحة بالكامل كإجراء حماية”. استمرت العلاقة بينهما حتى اللحظات الأخيرة من حكم صدام، حيث حاول الجميل التوسط بين العراق وأمريكا لتجنب الحرب، إلا أن هذه المحاولات لم تكلل بالنجاح.

القذافي: من القطيعة إلى الصداقة

أما فيما يتعلق بالعلاقة مع العقيد معمر القذافي، فقد بدأت بتوتر وقطيعة عندما أرسلت ليبيا وحدة عسكرية إلى لبنان دون التنسيق مع الحكومة اللبنانية. إلا أن الأمور تحسنت لاحقًا، بعد أن تدخل الملك الحسن الثاني في المغرب ليقترح على الجميل إعادة فتح قنوات الاتصال مع القذافي. وفعلاً، التقى الجميل مع القذافي في طرابلس، حيث ساد اللقاء جو من التفاهم، وتم الاتفاق على فتح صفحة جديدة بين لبنان وليبيا.

وفي إحدى القمم العربية، كان الجميل قد لعب دورًا حاسمًا في مسألة بيان استنكار الغارة الأميركية على طرابلس. ورغم تعقيدات العلاقة مع القذافي، إلا أن الجميل لم يكن يمتلك مرارات من فترة حكمه، بل كان يرى أن العلاقات الدبلوماسية مع القذافي كانت ضرورية للبنان.

ختامًا: إرث عهد مليء بالتحديات

رغم كل التحديات التي مر بها عهد أمين الجميل، يؤكد أنه مرتاح الضمير لتفانيه في الدفاع عن الثوابت الوطنية. كما أشار إلى فخره بتجربة نجله سامي الجميل، رئيس «حزب الكتائب»، ونجاحه في الإضاءة على شجاعة وحنكة القيادة السياسية اللبنانية. كما أشاد بتجربة رئيس الجيش اللبناني جوزيف عون، متمنيًا النجاح للعهد الحالي.

الجميل، في النهاية، يظل أحد الشخصيات التي صنعت تاريخ لبنان الحديث في أحلك الظروف وأكثرها تحديًا.

المصدر: غسان شربل ، الشرق الأوسط

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: