
بقلم جوزاف وهبه
ليس بالضرورة أنّ ما نجح أو قد ينجح في بلديّة مشمش وغيرها من القرى والبلدات العكارية يمكن أن ينتقل تلقائيّاً إلى بلديّات أخرى لمجرّد أنّ أحد رجال الأعمال أو المغتربين المتموّلين “يعرض” حفنة من الدولارات (بدأت ب 150 ألف دولار، ثمّ تطوّرت إلى 200 ألف) مقابل قيام توافق بلدي تحت حجّة تجنيب البلدة أو القرية مخاض الإنتخابات العسير..فلكلّ بلديّة حيثيّاتها وحساباتها وحساسيّاتها ما يجعل الأمر مستحيلاً ولو بلغ الرقم المعروض مليون دولار (عدّاً ونقداً) كما هي الحال بالنسبة لانتخابات المنية حيث تُخاض المعركة ربطاً بالإستحقاق النيابي القادم، إذ أنّ للمنية مقعدها النيابي الخاص ما يميّزها عن باقي البلدات والمدن!
المعركة البلديّة في المنية أبعد ما تكون عن معايير التنمية والإنماء، ولو كان ذلك ضروريّاً ومن صلب المفهوم البلدي المتعارف عليه:كلّ معركة بلديّة في المنية هي “معركة إستباقيّة” لما يمكن أن تكون عليه المعركة النيابيّة القادمة، تضاف إلى ذلك التوازنات العائلية (علم الدين، الخير، زريقة، ملص، عقل، رملاوي، مطر..وغيرها)، وفي الأخير يحلّ الهمّ التنموي (وبالأذن من شباب الحراك المدني..) كنتيجة لما سبق وليس كحافز رئيسي ممهّد للتحالفات والأسماء!
للمعركة البلديّة القادمة في المنية (11 أيّار 2025) عنوان رئيسي واحد، تُضاف إليه عناوين فرعيّة كثيرة.العنوان يتمثّل في السعي إلى “إضعاف” الوافد الجديد إلى ثنائيّة بيتين سياسيين عريقين طالما استقرّ مقعد المنية في واحد منهما:بيت النائب الراحل محمد مصطفى علم الدين (ومن بعده نجله النائب الراحل هاشم علم الدين، ومن ثمّ نجله الثاني عثمان علم الدين)، وبيت الزعيم العائلي كاظم الخير الذي حلّ إبنه صالح الخير نائباً لمدّة حوالي ربع قرن من الزمن (1972 – 1996) ومن ثمّ نجله كاظم الخير، إلى أن دخل على الخطّ في الدورة الأخيرة النائب الحالي أحمد الخير الذي نجح، بفضل دعم مشترك من الأمين العام لتيّار المستقبل أحمد الحريري ومن الرئيس نجيب ميقاتي، في أن يسجّل أوّل خرق من نوعه، دون أن نغفل الدور التاريخي الذي لعبه فيما مضى آل طبّو (الزعيم أحمد طبّو والنائب الراحل محمود طبّو) في كسر هيمنة العائلات الكبيرة من خلال ما يمكن تسميته “إنتفاضة العائلات الصغيرة” والتي أوصلت إبن عائلة محدودة العدد إلى سدّة النيابة في دورة 1992 – 1996 حين حصلت المنية على مقعدين على حساب تمثيل الضنّية التي حصلت على مقعد واحد.وكلّ ذلك قبل أن يجري تثبيت مقعد واحد خاص للمنية ومقعدين للضنّية!
إذاً، كيف يمكن أن تتمّ مجريات المواجهة البلدية في سبيل إضعاف النائب الحالي؟ ثمّة ممرّ إجباري يقوم على التقاطع المرحلي ما بين النائبين السابقين (عثمان علم الدين وكاظم الخير) ما يوفّر لهما الغلبة الإنتخابية، وبالتالي يسمح لهما بتوزيع الرئاسة والأعضاء (21 مقعداً) على العائلات بما يخدم مصالحهم الإنتخابية..من هنا تتوالد الأسئلة؟
هل يتمكّن النائبان السابقان من التوافق المرحلي المؤقّت مع علمهما بأنّهما سيكونان حتماً خصمين متنافسين في إستحقاق أيّار 2026 الإنتخابي؟
هل يُحسنان الإختيار في تركيبة اللائحة المشتركة المحتملة (الرئيس والأعضاء ورئيس الإتّحاد) بما يعود بالنفع والتنمية لعموم المنية وذلك من خلال تقديم الأفضل، وليس حصر اهتمامهما بالمكاسب الإنتخابية البحتة؟
كيف سيردّ النائب الحالي أحمد الخير؟ هل يواجه في معركة قد تكون خاسرةً سلفاً، أو يحذو حذو الرئيس نجيب ميقاتي في الإبتعاد عن التدخّل في الشأن الإنتخابي، تاركاً للمواطنين حرّية الإختيار وتحمّل المسؤوليّات؟
ماذا يفعل ناشطو الحراك المدني، وهل هم قادرون على تحييد السياسيين، والإتيان بمجلس بلدي يرفع شعار “المنية أوّلاً” بلا توزّع عائلي تقليدي ولا تدخّل سياسي مباشر؟
المنية على صفيح إنتخابي ساخن متشابك الحسابات، كما هي حال معظم المدن والبلدات..ولن ينفع معها عرض توافقي من هنا أو هناك، أيّاً كان الثمن المعروض.فالإحتدام السياسي (وخاصة النيابي) غالباً ما يتقدّم على جميع التمنّيات والدعوات..فاستعدّوا!