
بقلم جوزاف وهبه
فيما نأى بنفسه كلّيّاً الرئيس نجيب ميقاتي، ويسعى إلى ذلك اللواء أشرف ريفي، ويكتفي النائبان فيصل كرامي وطه ناجي في تزكية بعض الأسماء في هذه اللائحة أو تلك، يبدو النائب إيهاب مطر مستنفراً للدخول في السباق البلدي بلائحة مكتملة في مدينة طرابلس، ويتردّد أنّه يفعل ذلك أيضاً في مدينة الميناء، ما يعني أنّ السياسة (والسياسيين) لا بدّ منغمسة في هذا الإستحقاق، ما يجعل تشكيلات المجتمع المدني (أيّاً كانت مستقلّة) مضطرّة لإعادة النظر في حساباتها، والربط ما بينها وبين طرف أو أكثر من القوى السياسية حتّى تتسنّى لها فرصة الربح، وإلّا تكون كمَن يسجّل هدفاً في مرمى التاريخ دون أن يؤثّر في واقع الحال!
والسؤال المهمّ:ماذا يربح وماذا يخسر النائب مطر، وما الذي يدفعه إلى خوض غمار هذا “البحر الهائج” فيما عتاة السياسة في المدينة يفضّلون تجنّب تجرّع هذه “الكأس المُرّة”؟
ربّما يرى النائب مطر نفسه رابحاً في كلّ الأحوال.وربّما يعتبر أنّ المعادلة التي أوصلته إلى قبّة البرلمان في العام 2022 قد لا تتوفّر عناصرها من جديد أو لم تعد كافية، وخاصة لجهة التحالف مع الجماعة الإسلامية، علماً بأنّ هذه الأخيرة قد خسرت كثيراً من رصيدها بعد انغماس “قوّات الفجر” في حرب الإسناد تحت راية المقاومة الإسلامية، ما يفرض عليه أن يخلق “ديناميّة جديدة” تسمح له بالدخول إلى الإنتخابات النيابية من بوّابة مختلفة.وقد بدأ باكراً بالإعداد لهذه النقلة الضروريّة من خلال سلسلة مواقف لافتة:الوقوف في صفوف المعارضة السابقة من خلال التصويت المتكرّر لترشيح ميشال معوّض، الإقتراع للجنرال جوزاف عون وتسمية رئيس الحكومة نوّاف سلام، إضافة إلى رفع سقف تصريحاته ضدّ سلاح حزب الله، مع الإنفتاح المحلّي على جميع القوى والمشاركة في جميع اللقاءات بما فيها اللقاء الجامع حول “إعلان طرابلس” بدعوة من الرئيس ميقاتي، خلافاً لما فعله النائبان ريفي وكرامي.
يحاول النائب مطر، من خلال حراكه السياسي – البلدي أن يشكّل حالة تفرض نفسها على بعض الأطراف السياسيّة في الإستحقاق النيابي المقبل، ومن هنا يرى أنّ الدخول في المعترك البلدي يشكّل نقطة قوّة تُسجّل في رصيده وتعزّز حاجة الآخرين إليه وليس العكس كما كان في بداية مسيرته الإنتخابية، وذلك وفق التالي:
هو ينسج شبكة علاقات جديدة (مجتمع مدني على عائلات على جمعيّات مثل “جمعيّة عمران”..) من خارج النمط السابق، طارحاً نفسه كبديل عن القوى التقليديّة من جهة، ومستفيداً من الفراغ الذي خلّفه كلّ من إنسحاب تيّار المستقبل نتيجة قرار الرئيس سعد الحريري بالتنحّي، وتأكيد الرئيس نجيب ميقاتي المتكرّر على النأي بتيّاره عن الإستحقاق البلدي رابطاً حتّى عودته إلى العمل النيابي بقوله “لن أكون سبباً في شرذمة الطائفة السنّية” دون أن يفسّر معنى وأبعاد هذا الكلام، من جهة أخرى!
النائب مطر يطرح نفسه كطرف مؤثّر في الساحة الطرابلسية.يشكّل اللوائح الإنتخابيّة، ويخوض المعارك أيّاً كانت نتائجها:إذا ربحت اللائحة المدعومة من قبله يكون قد دخل نادي اللاعبين الكبار من بوّابة البلديّة الواسعة، وإذا خسرت لائحته يكون قد قدّم نفسه كلاعب لا بدّ أن يُحسَب له الحساب في كلّ الإستحقاقات، وبالتالي في التعيينات ومراكز النفوذ، بمعنى أنّه قوّة صاعدة وليس مجرّد عضو في مجلس النوّاب لا دور سياسي له، وصل إلى البرلمان من خارج السياق التقليدي المتوقّع، كما في حالتيّ النائبين جميل عبّود وحيدر ناصر!
لا شكّ أنّ نشاط النائب الشاب قد يشكّل عاملاً جاذباً للجيل الساعي إلى التغيير، بمعنى أنّ لائحته (إذا ما أحسن تشكيلها، وإيجاد مسافة ذكيّة ما بينه وبينها..) قد تقترب من تحقيق الفوز، أو أقلّه قد تسجّل رقماً متقدّماً يمكن له أن يستخدمه في الإستحقاق النيابي القادم، كما يمكن أن يعتبره تأسيساً صلباً للإستحقاقات البلدية اللاحقة!
“مطر” لا يغامر مبدئيّاً في ما يقوم به.أمّا الخطر الحقيقي عليه فيكمن في حالتين:الجمود، وهو يكسره عمليّاً في ما يفعله بلديّاً وسياسيّاً وتنمويّاً..أو حصول اللائحة المحسوبة عليه على نتائج غير مرضية في صناديق الإقتراع، ما يستدعي منه حينئذٍ جهوداً مضاعفة وغير مضمونة، ربطاً بما يمكن أن يتعرّض له من “هجمات وكمائن” من قبل باقي الأطراف السياسية المنافسة والمحترفة في المدينة!!