
تتسارع الصراعات حول العالم، إذ تحولت إلى براكين تهدد بالانفجار على نطاق واسع. فالحرب الروسية-الأوكرانية أصبحت صراعاً غير مباشر بين روسيا وأوروبا، محققة خسائر فادحة وتداعيات اقتصادية وإنسانية على مستوى عالمي. بينما فجّر هجوم حماس في 7 أكتوبر حرباً مدمرة في غزة، أودت بحياة أكثر من مئة ألف شخص وأتلفت مقومات الحياة. كما امتدت المواجهات إلى لبنان التي توقفت مؤقتاً بقرار 1701، في حين تجددت الثورة في سوريا، ما أدى إلى سقوط نظام الأسد. أزمة الحدود مع لبنان ما زالت تثير تساؤلات مفتوحة، بينما كان الحشد العسكري الأميركي في الخليج واليمن بمثابة ضغط على إيران للدخول في مفاوضات.
في هذا السياق المشحون، انعقد منتدى أنطاليا الدبلوماسي في نسخته الرابعة منذ 2021، وهو محاولة من تركيا لتقديم مساحة للحوار وسط التوترات العالمية، تحت شعار “استعادة الدبلوماسية في عالم منقسم”. استضاف المنتدى قادة عالميين وصانعي قرارات، مؤكداً على ضرورة تفعيل الحوار والبحث في قضايا هامة مثل الذكاء الاصطناعي والمناخ والهجرة.
تركيا، التي توسع حضورها العسكري في مناطق النزاع، أرادت من خلال هذا المنتدى التأكيد على دورها كمركز فاعل في صياغة المعادلات الجديدة. هذا التحوّل السياسي والدبلوماسي هو نتاج سنوات من العمل المستمر، وأصبح المنتدى منصة تظهر فيها تركيا ليس فقط كوسيط بل كشريك فاعل في صناعة السياسات وتوزيع النفوذ. كما أكدت تركيا قدرتها على إدارة التوازنات الدولية والابتعاد عن الانغماس في الصراعات، على الرغم من كونها عضوًا في حلف الناتو وعلاقتها الاستراتيجية مع روسيا.
في خطابه في المنتدى، أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موقف بلاده المتوازن، حيث أدان بشدة ما يحدث في غزة ووصفه بـ”إرهاب الدولة”، بينما وجه رسائل بشأن العدالة الدولية دون التصعيد ضد أي طرف. يُظهر هذا النهج قدرة تركيا على الجمع بين القيم الأخلاقية والسياسية في الوقت ذاته، ساعية لترسيخ دورها كصوت مستقل بعيد عن الاستقطابات التقليدية.
تركيا تطرح نفسها اليوم كوسيط رئيسي في ملفات معقدة مثل الحرب في أوكرانيا، الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والأزمات في سوريا والسودان وليبيا، مستفيدة من موقعها الجغرافي وسياستها المرنة التي تسمح لها بالتواصل مع جميع الأطراف دون الانحياز لأي منها. باختصار، لا يمكن اعتبار منتدى أنطاليا 2025 مجرد فعالية دبلوماسية عابرة، بل هو تجسيد لرؤية استراتيجية واضحة تشير إلى أن تركيا لم تعد مجرد ناقل رسائل بين القوى المتنازعة، بل أصبحت دولة محورية في تشكيل السياسات الدولية والإقليمية.
المصدر : بهاء الدين شحادة – المدن