
بقلم ندى جوني
تشكّل الإنتخابات البلدية والإختيارية لعام 2025 محطة سياسية ومفصلية، تستعاد فيها الديناميات المحلية بعد سنوات من التأجيل، نتيجة الإنهيار الإقتصادي. بعبارة أخرى، يأتي هذا الإستحقاق اليوم في ظلّ ظروف مختلفة لم يشهدها لبنان بهذا الزخم من قبل. أبرزها انتخاب رئيس جديد، والذي أعاد بدوره بعضاً من الإستقرار المعنوي والسياسي، ولو ضمن هامش ضيّق من الفعل التنفيذي.
ضمن الإطار المذكور، تتجه الأنظار إلى محافظة جبل لبنان، لكونها تمثّل ثقلاً ديموغرافياً وسياسياً، ولا سيّما في الشق المسيحي. إذ، تبرز المنافسة البلدية كمؤشر واضح على توزع القوى داخل البيئة المسيحية. فالمتن، كسروان، جونيه، جبيل، سن الفيل، وسد البوشرية تتحول اليوم إلى ساحات مواجهة ساخنة بين الأحزاب التقليدية: ” القوات اللبنانية “، ” التيار الوطني الحرّ “، ” الكتائب “، وحلفائهم من العائلات أو الشخصيات المستقلة، في مواجهة لوائح مدنية تسعى إلى كسر الطوق الحزبي.
بانوراما الإنتخابات البلدية 2025 في جبل لبنان: مشهد مسيحي مشتعل
المتن الشمالي: معركة تقليدية بطموحات متجددة
في قضاء المتن الشمالي، تشتد المنافسة البلدية ضمن مشهد سياسي مألوف تتخلله تحالفات جديدة وتبدل في موازين القوى. يعتبر القضاء من أبرز الساحات المسيحية، حيث تتقاطع فيه القوى التقليدية مثل التيار الوطني الحر، الكتائب اللبنانية، والقوات اللبنانية، إلى جانب نفوذ عائلي قوي يبرز في بعض البلدات، خاصة من خلال عائلة المر.
في سد البوشرية، عاد التيار الوطني الحر إلى التحالف مع آل المر، في خطوة تهدف إلى استعادة التوازن الشعبي الذي فقده الطرفان في السنوات الأخيرة. ضمن الإطار المذكور، يستند هذا التحالف إلى النفوذ العائلي والتاريخي لعائلة المر في البلدة، ويطمح إلى إعادة تثبيت الحضور السياسي للتيار. مع ذلك، تواجه هذه اللائحة تحدياً من بعض المجموعات المستقلة والشبابية، التي تعبّر عن نقمة على الأداء السابق، وتسعى لإحداث خرق في المشهد البلدي.
أما في سن الفيل، فالصورة مختلفة تماماً. لا حضور لعائلة المر في هذه الساحة، لكن المنافسة الحزبية تبقى قوية. إذ تتحرك الكتائب اللبنانية بفاعلية كبيرة محاولة إعادة تثبيت حضورها في المجلس البلدي، بدعم من قواعدها التقليدية وبعض الوجوه الجديدة. في المقابل، تتحرك القوات اللبنانية بشكل مستقل، عبر العمل على بناء لائحة ذات طابع إنمائي، تضم مرشحين من المجتمع المدني والشخصيات المهنية، في محاولة لاستقطاب الناخبين الذين يبحثون عن خيار خارج الإستقطابات التقليدية.
من ناحية أخرى، يواجه التيار الوطني الحر صعوبة في منطقة سن الفيل، حيث يبدو حضوره ضعيفاً مقارنة بالسنوات الماضية، لا سيما بعد تراجع شعبيته في المنطقة، ما جعله عاجزاً حتى اللحظة عن بناء لائحة منافسة متماسكة.
فالمنطقة، التي شهدت خلال السنوات الأخيرة تغييرات ديموغرافية واقتصادية لافتة، تعكس توجهاً جديداً لدى الناخبين الذين باتوا أكثر ميلاً نحو الخطابات الإنمائية، مما يعزز من فرص اللوائح المدعومة من المجتمع المدني أو تلك التي تتبنى خطاباً خارجاً عن القوالب الحزبية التقليدية.
بصورة عامة، يمثل المتن الشمالي ساحة مركزية في التوازن المسيحي. إذ، ستكون ونتائج المعارك البلدية فيه مؤشراً على موقع كل حزب عشية الاستحقاقات النيابية المقبلة.
كسروان – جونية: ثلاثية انتخابية محتدمة تعيد رسم خارطة التحالفات السياسية
في قضاء كسروان، وتحديداً في جونية، تتجه الأنظار إلى واحدة من أكثر المعارك البلدية سخونة، وسط اصطفافات وتحالفات غير تقليدية تعكس عمق التحوّلات السياسية في المنطقة. فعلى عكس ما أشيع سابقاً، لم ينسحب التيار الوطني الحر من المنافسة، بل يواصل دعمه لرئيس البلدية الحالي جوان حبيش، كما يعمل على بلورة لائحة انتخابية قوية تحافظ على موقعه التاريخي في هذه المنطقة التي لطالما اعتبرها “عقر داره” منذ عام 2005
ومع ذلك، يتمّ الحديث في الكواليس عن إمكانية انسحاب حبيش من السباق البلدي.. في المقابل، انحسم مؤخراً تحالف واسع يضم كلّ من القوات اللبنانية، النائب نعمة إفرام، حزب الكتائب، والنائب السابق منصور البون. كما انضم إليهم النائب فريد الخازن، ما وضع حداً للمفاوضات السابقة التي خاضها الخازن مع التيار الوطني الحر، والتي تعثرت نتيجة الخلاف حول هوية رئيس البلدية، إذ كان الخازن يطرح اسم شقيقه رشيد الخازن، في حين تمسك التيار بترشيح جوان حبيش لولاية جديدة.
وبهذا، بات المشهد في جونية يتجه نحو مواجهة انتخابية ثنائية قوية: الأولى يقودها التيار الوطني الحر (رغم الغموض الذي يلف مصير ترشيح حبيش)، والثانية تضم تحالف القوات – الكتائب – إفرام – الخازن، داعمة ترشيح فيصل إفرام، الذي يجمع بين الحضور الشعبي والسياسي من جهة، والخبرة الإقتصادية والإجتماعية من جهة أخرى.
معركة الإنتخابات البلدية في جبيل: تحالفات جديدة وتحديات للتيار الوطني الحر
في مدينة جبيل، تشهد الانتخابات البلدية لعام 2025 تطوراً لافتاً، حيث يبرز المشهد الإنتخابي بشكل غير تقليدي بالنسبة للتيار الوطني الحر. ففي حين كان يُعتقد أن التيار قد انسحب تماماً من المعركة، يتبين أنه يختار هذه المرة دعم مرشحين محليين مقربين منه بدلاً من تقديم لائحة رسمية باسم التيار.
وبعد ان أعلن “التيار الوطني الحر” دعمه للمرشح إدي صفير، المحامي و عضو المجلس البلدي السابق لرئاسة البلدية، عاد الأخير و انسحب من المعركة الإنتخابية، و هو ما أعاد الأمور الى نقطة الصفر بالنسبة للعونيين الذين يحاولون قدر الإمكان الحفاظ على حضورهم في المدينة!..
يبدو أن هذا التحول في استراتيجية “التيار الوطني الحر” يعود إلى محاولة إعادة تنظيم صفوفه في ظل التحديات التي يواجهها في بعض المناطق، خصوصاً في جبيل، حيث شهد التيار تراجعاً ملحوظاً لقاعدته الشعبية في السنوات الأخيرة. وبالتالي، لم يكن هناك خيار سوى الانخراط في الانتخابات عبر دعم مرشحين مستقلين ومدعومين من التيار، بدلاً من خوض المعركة بلوائح حزبية رسمية.
من جانبه، استطاع النائب زياد حواط، المدعوم من القوات اللبنانية، أن يشكّل لائحة انتخابية كاملة برئاسة الدكتور جوزف الشامي، معتمداً على شبكة علاقاته الشعبية والسياسية، ومستفيداً من غياب لائحة موحدة للتيار الوطني الحر. وبذلك، تُنبئ المعركة بين حواط والمرشحين المدعومين من التيار بمنافسة شديدة، ما يخلق توازناً سياسياً معقداً في جبيل ويجعل من نتائج الانتخابات مفتوحة على كل الإحتمالات.
معركة بلدية بطابع سياسي حادّ… من يفرض إيقاعه؟
على مشارف الانتخابات البلدية في جبل لبنان، لا تبدو المعركة تقليدية على الإطلاق. فالمنافسة لم تعد محصورة بين لوائح حزبية واضحة، بل باتت مشهدًا مركّبًا من تحالفات متبدّلة، حسابات مناطقية دقيقة، ومزاج شعبي غير مستقر.
إذ، تدخل القوات اللبنانية وحلفائها هذا الإستحقاق بزخم تنظيمي واضح، مستفيدة من تراجع خصمها التقليدي، التيار الوطني الحر، على أكثر من جبهة. في جونية، شكّل التحالف مع نعمة إفرام نقلة نوعية أعادت رسم الخريطة السياسية، بينما في جبيل، يبدو النائب زياد حواط متقدّمًا دون أي منافس جديّ بعد عجز التيار عن تقديم لائحة وازنة. وفي المتن الشمالي، قد يصمد التحالف بين التيار وآل المرّ في بعض البلدات، لكنه لا يُخفي هشاشة الوضع التنظيمي للتيار، خاصة في بلدات مثل سن الفيل، حيث تخوض الكتائب والقوات معركة شرسة.
من جهة أخرى، تبقى اللوائح المستقلة ومجموعات المجتمع المدني عاملاً غير محسوم، وإن كان تأثيرها متفاوتاً بحسب المناطق. لكن المؤكد أن المزاج العام لا يصبّ كما في السابق لصالح التيار الوطني الحر، بل يشير إلى إعادة توزيع شعبية ملحوظة داخل الشارع المسيحي.
بالتالي، إذا ما استمرت الأمور على هذا النحو، فإن القوات اللبنانية، مع الكتائب وبعض الحلفاء المستقلين، تتجه إلى تحقيق مكاسب ملموسة في أكثر من قضاء. أما التيار الوطني الحر، فإما سيحاول الحفاظ على حضوره من خلال التحالفات التقليدية، أو سيجد نفسه في موقع دفاعي في ظل تغيّر المشهد الشعبي والتنظيمي.