
لم تعد تهديدات “حزب الله” تقتصر على رفض تسليم سلاحه، بل تمتد لتشمل ملفات حساسة، من أبرزها قضية التحقيق في انفجار مرفأ بيروت. والسؤال المطروح: كيف يخطط الحزب لتنفيذ تهديداته بـ”قطع الأيدي” لوقف المسارين – نزع السلاح واستمرار التحقيق الذي يقوده القاضي طارق البيطار، لا سيما بعد مثول رئيس الحكومة السابق حسان دياب أمامه يوم الجمعة، بعد امتناع سابق بحجة الحصانات.
في 21 أيلول 2021، زار الحاج وفيق صفا، رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب، قصر العدل في بيروت. وبعدما رفض القاضي البيطار استقباله، وجّه له صفا تهديدًا صريحًا بالإقالة من منصبه “بأي طريقة كانت”. وقد بلغ هذا التهديد مسامع البيطار، لكنه لم يأبه له، بل واصل تحقيقاته مدّعيًا على النواب علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق، وحدد لهم مواعيد للاستجواب.
في اليوم نفسه، التقى صفا عددًا من كبار القضاة، من بينهم القاضي غسان عويدات، مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، الذي رفض بدوره مطلب صفا بعزل البيطار.
عويدات الذي طلب من البيطار تقريرًا عن التهديد، عاد لاحقًا ليقدّم ادعاءً ضد البيطار في محاولة لإبعاده عن الملف. وبينما فشل صفا في ذلك، كاد عويدات أن ينجح. ومع أن المحاولات القضائية لعزل البيطار تكررت، ظل الأخير ثابتًا في موقعه، متمسكًا بالأمل بعودة الدولة وبداية عهد جديد يعيد للعدالة هيبتها. ومع مغادرة عويدات وتولي القاضي جمال الحجار منصب النيابة العامة التمييزية، تغيّر المشهد. فالحجار نقض قرارات عويدات، وسمح باستئناف التحقيق، مما أفسح المجال أمام البيطار لمتابعة عمله، مستدعيًا مجددًا شخصيات سبق وتحصنت بالحصانات، ومن بينهم حسان دياب، وحتى عويدات نفسه الذي بات عليه المثول أمام التحقيق.
عودة البيطار إلى متابعة تحقيقه تعني استعادة السلطة القضائية الشرعية زمام الأمور، بعد فشل كل محاولات عرقلة التحقيق، سواء عبر تهديدات صفا أو دعوات الأمين العام لحزب الله لوقف عمل البيطار، أو حتى عبر محاولات تعيين محقق رديف، وتطويق قصر العدل، والتصعيد الأمني الذي شهدته منطقة الطيونة في 14 تشرين الأول 2021. جميع تلك المحاولات، من تعطيل مجلس القضاء الأعلى إلى شلّ رئاسته، جرت بتنسيق بين الحزب وبعض رموز العهد السابق، خصوصًا بعد تعطيل تشكيلات قضائية أساسية.
ومع بروز ملامح عهد جديد، بدأ الأمل يتجدد بإحياء ملف التحقيق في المرفأ، لكن سرعان ما عادت محاولات العرقلة. فظهر يوم الخميس 24 نيسان، زار وفد من “لجنة تجمع أهالي شهداء وجرحى مرفأ بيروت” المنشقّة، والمدعومة من الحزب، القاضي جمال الحجار، رافضًا ما وصفه بـ”التسوية” مع البيطار. ولم يكتف الوفد باللقاء، بل وزّع منشورات في أروقة قصر العدل، اتهم فيها القاضي البيطار ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود بـ”التآمر على دماء الشهداء”. ثم حاول الدخول إلى مكتب البيطار، الغائب حينها، وطالب بتنحيته، مهددًا بـ”الشارع” وباحتمال إراقة دماء.
ما جرى، لا يمكن فصله عن زيارة وفيق صفا قبل أربعة أعوام، إذ يُعد امتدادًا لها. التهديدات موجهة صراحة إلى القضاة الثلاثة: البيطار، عبود، والحجار، وتزامنت مع تصريحات أطلقها قياديون في الحزب، رافضين تسليم السلاح، ملوحين مجددًا بقطع الأيدي.
لكن إلى أين يمكن أن تصل هذه التهديدات؟ وهل سيلجأ الحزب مجددًا إلى أسلوب الطيونة لوقف مسار التحقيق؟ وهل “قطع الأيدي” سيمنع توجه الدولة نحو احتكار السلاح، كما أكد قائد الجيش جوزاف عون مؤخرًا؟ هذه التهديدات، بحسب مراقبين، تكشف حجم المأزق الذي يعيشه الحزب، الذي قد يجد نفسه غير قادر على تنفيذ تهديداته، وبالتالي مضطرًا إلى مراجعة حساباته.
يرى البعض في قيادة الحزب ضرورة احتواء هذه الملفات – من المرفأ إلى السلاح – بأقل الخسائر الممكنة، لحماية ما يمكن إنقاذه من نفوذ الحزب وصورته. لكن هذا ليس موقف الحزب الرسمي حتى الآن، ما يجعل احتمال التصعيد الأمني واردًا في أي لحظة.
لهذا، هناك دعوات متزايدة لتشديد الإجراءات الأمنية حول قصر العدل وداخله، لحماية القضاة ومنع أي خرق أمني. فلا ضمانات حقيقية تمنع هذا التصعيد، حتى من أعلى مستويات الدولة. فالتجربة مع الرئيس رفيق الحريري، الذي ظن نفسه محميًا بضمانات دولية، وانتهى مغتالًا، كافية لتبيان هشاشة أي تطمينات مماثلة.
المصدر:نجم الهاشم
نداء الوطن