بيئة حزب الله بين السلاح والاستقرار

بعد فترة طويلة من الإحباط والارتباك التي خيمت على أجواء “حزب الله”، خاصة منذ اغتيال أمينه العام السابق حسن نصرالله في أيلول الماضي، جاء الخطاب الجديد لقيادة الحزب ليضخ بعض الحيوية في صفوف مناصريه ومؤيديه.

ففي الأيام الماضية، أطلق مسؤولو الحزب حملة مكثفة يؤكدون فيها رفضهم القاطع لتسليم السلاح، بل ورفض النقاش حول أي استراتيجية دفاعية قبل تحقق جملة من الشروط، أبرزها انسحاب إسرائيل من النقاط اللبنانية المحتلة، وبدء عملية إعادة الإعمار. وقد تم ربط هذا التوجه الجديد بسياق المفاوضات الأميركية – الإيرانية، وسط حديث عن سعي طهران لتحقيق مكاسب مقابل تسليم سلاح الحزب.

قبل هذا التغيير، كانت أوساط الحزب تعتقد أن قرار نزع السلاح قد اتُخذ بالفعل، وأن التنفيذ مسألة وقت، خاصة مع اعتماد القيادة خطاباً هادئاً يوحي بالتعاون، مشابه لما حصل في الجنوب بعد اتفاقية “الليطاني”.

غير أن خطاب نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم أعاد تفعيل الحراك الشعبي الإلكتروني، حيث انتشرت شعارات مثل “لن نسلّم سلاحنا” و”نحن سلاح المقاومة”، في ما بدا كخطوة لاستنهاض البيئة الحزبية عشية الانتخابات البلدية، التي يسعى “الثنائي الشيعي” فيها إلى التزكية وتجنب المواجهات.

لكن هذه البيئة الحزبية تعيش حالة من التشتت والحيرة حيال قضية السلاح؛ فهي، وإن أظهرت تمسكها العلني به، إلا أنها في مجالسها الخاصة تُقرّ بأنه لم يحصّنها، بل تسبب بدمار واسع وقتل قادتها. وهي تدرك أيضاً أن الحزب لا يملك الموارد الكافية لإعادة إعمار القرى المدمرة، وأن المساعدات الدولية مشروطة بتسليم السلاح.

بيئة منكوبة… ولكن

تقول الدكتورة منى فياض، الناشطة السياسية وأستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية، إن البيئة الحزبية “تشعر بالانزعاج، وتدرك أن أداء القيادة لا يخدمها”، لافتة إلى وجود اعتراضات على سياسات طهران حتى قبل نهاية الحرب. غير أن التخلي عن الحزب ليس سهلاً، إذ تشك هذه البيئة في قدرة الدولة على تقديم الدعم، وتراهن على أن الحزب قد يتمكن من إدخال أموال إيرانية.

وتضيف في حديثها لـ”الشرق الأوسط”: “في نظام طائفي كالنظام اللبناني، يشعر الأفراد بالأمان من خلال الانتماء السياسي – الطائفي، وهو ما يفسّر تمسك بيئة حزب الله بالحزب رغم كل شيء”.

من جهته، يصف الكاتب السياسي علي الأمين هذه البيئة بـ”المنكوبة”، موضحاً أن فئة واسعة منها لم تعد ترى في سلاح الحزب وسيلة للحماية أو الاستقرار. أما من يرتبط رزقهم بالحزب، فيلتزمون بتعليماته ولا يتأثرون بالتحولات.

ويقول الأمين: “البيئة الحزبية تعيش صدمة مستمرة. فالصورة التي رسخها الحزب عن نفسه كقوة لا تُقهر، وقيادته كرمز للانتصار، انهارت تماماً بعد اغتيال النخبة القيادية من قبل إسرائيل، دون أي رد فعل من الحزب”. ويضيف: “الإحساس باليتم يزداد في ظل استمرار القتل الإسرائيلي، ما أضعف التأييد الشعبي لفكرة السلاح، وأصبح كثيرون يرونه عبئاً لا مبرراً له”. ويرى أن “البيئة تطمح اليوم للسلام والاستقرار، وتعي أن ذلك لا يتحقق إلا بعودة الدولة وتسليم الجيش مسؤولية الدفاع”.

مستقبل السلاح واستراتيجية الدفاع

في المقابل، يشير الكاتب السياسي قاسم قصير، المطلع على مواقف الحزب، إلى أن هناك تواصلاً بدأ بهدف النقاش حول الاستراتيجية الدفاعية ومستقبل السلاح. ويؤكد في حديثه لـ”الشرق الأوسط” أن الحزب لا يرفض الحوار الوطني في هذا السياق، لكنه في الوقت نفسه لا يقبل بفكرة نزع السلاح في ظل الاحتلال الإسرائيلي المستمر.

ويضيف أن الحزب يعيد تقييم دوره بعد الحرب الأخيرة وسقوط النظام السوري، مشيراً إلى أننا أمام رؤية جديدة، لكن مصير السلاح سيبقى مرهوناً بالاحتلال والحوار الداخلي.

يأتي هذا في وقت لا تزال فيه المواقف الرسمية، خصوصاً من الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، تؤكد المضي قدماً في قرار نزع السلاح. إذ شدد عون مؤخراً على قناعته بأن اللبنانيين لا يريدون الحرب، وقال: “قررنا حصر السلاح بيد الدولة في خطاب القسم، وسننفذ هذا القرار، لكن التنفيذ رهن بالظروف المناسبة”
المصدر:بولا أسطيح
الشرق الأوسط

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: