
بقلم جوزاف وهبه
لا يكفي أن يجتمع السياسيون على “إسم واحد” حتى تسير الرياح كما تشتهي السفن:فالبحر هائج، المهمّة صعبة، التجارب المُرّة طعمها تحت أعين وألسنة الناس، المجتمعون الذين توافقوا لا يوحون بالثقة والطمأنينة..والمكلَف صعب المراس!
من هنا يبدأ خلدون الشريف..ومعه تتناسل الأسئلة الشائكة التي لا بدّ أن يردّ عليها، من خلال مضمون اللائحة وملامح برنامجها، مع الإشارة إلى أهميّة الشكل الذي يمكن أن يتضمّن مرشحين ذوي كفاءة واختصاص، تمثيلاً مقبولاً للمرأة، وتمثيلاً يأخذ بعين الإعتبار الأقلّيات تظهيراً لمدينة التنوّع والإنفتاح، بما يسهّل التعامل مع الجهات المانحة التي لا يمكن لأيّ مجلس بلدي، مهما كان متجانساً وحسن النوايا والسيرة الذاتيّة، أن ينجح من دونها لمعرفتنا بعجز الدولة المالي، وبخلوّ الصناديق البلدية من المداخيل التي تلبّي الحاجات الكبيرة للتنمية والعمل..ولكنّ الإلتزام بهذا الشكل، على أهميّته، لا يحدّ من واجب طرح الأسئلة الشائكة:
-هل يطلق السياسيون (الذين توافقوا قسراً أو حبّياً أو تخلّصاً من الحمل البلدي الثقيل..) يديّ الدكتور خلدون الشريف الذي قد يكون اشترط كامل الحرّية في اختيار أسماء اللائحة المنتظرة، بعيداً عن المحاصصة التقليدية التي طالما أطاحت بقدرة الرئيس والمجلس على إدارة الدفّة نحو برّ الأمان، أي إختيار لائحة بعيدة عن الصراعات الحزبية والشخصية، ربطاً بهاجس وحيد:كيف يمكن لنا أن نقدّم الأفضل للمدينة وأهلها؟
-هل يدرك الدكتور الشريف خطورة “مقاطعة الناخبين” لصناديق الإقتراع، تحت ضغط أمرين متلازمين:الأوّل، أنّ التوافق السياسي بات “علامة سوداء” في وعي المواطنين ما يجعلهم ينكفئون بدل أن يُقدِموا كما يفترض..وأنّ شعورهم بأنّ اللائحة “فائزة فائزة” بأصواتهم أو دونها يقلّل من نسبة الإقتراع التي تشكّل “معياراً” في حسابات الرأي العام الداخلي والخارجي؟ إنّ فوز اللائحة (أيّ لائحة) بنسبة متدنّية يُصعّب من مهمّتها الإنقاذيّة، ويساهم بتوصيفها ب “البطّة العرجاء”.وهذا الدور ليس منوطاً بالرئيس المفترض (الشريف) وحده، وإنّما تقع المسؤولية الأساسيّة على السياسيين الداعمين:هل يحرّكون ماكيناتهم الإنتخابية وجمهورهم بما يكفي لرفع نسبة الإقتراع، أم يرمون كامل الحِمل على كاهل الرئيس والأعضاء؟
-كيف يمكن “للصديق خلدون” أن يقدّم نفسه كشخصيّة تغييريّة، وهو يحمل على منكبيه “عِدّة تقليديّة” من النوّاب المجرّبين، مثنّى وثلاث، دون أن يفلحوا في تحقيق الحدّ الأدنى من الوعود والحاجات؟ إنّ هذا الأمر شديد التعقيد، ولا يكفي فيه الكلام المعسول أو الصادق، وإنّما يشترط خلق ديناميّة تكسر – في ما تبقّى من أيّام قليلة قبل موعد الإنتخابات في 11 أيّار القادم – الصورة النمطيّة للعلاقة بين السياسيين وبين الشخص الخارج من غرف إجتماعاتهم المغلقة.وربّما يساعد في ذلك الكشف العلني عمّا دار من مفاوضات ومباحثات والتزامات، ما يسهّل إقناع المتردّدين بأنّ الوافد الجديد لا يُشبه مَن سبقوه، وأنّ السياسيين هم ممرّ إجباريّ مؤقّت لا يلزمونه بأيّ شيء مستقبلي، وأنّ المجلس البلدي الموعود سيشكّل “بقعة ضوء” أقلّه للأجيال القادمة، بما يمكن أن يؤسّس على أعماله ومشاريعه ما يُعيد للمدينة ألقاً إفتقدته منذ أكثر من ربع قرن من الزمن!
-هل سيتطرّق المجلس الجديد للمشاكل الساخنة في المدينة، وهي من صلب اختصاصه، وتتطلّب جرأة عالية لم يمتلكها المجلس الحالي، لا رئيساً ولا أعضاء، مع الإعتراف بأنّ الواقع الأمني قد تبدّل مع العهد الجديد، ما يساعد على التنفيذ بعيداً عن التواطؤ الذي كان قائماً بين المحافظ رمزي نهرا وبعض قادة الأجهزة و”المافيات الناشئة”، وهي:أوّلاً، أصحاب المولّدات الكهربائية.أيّ برنامج عمل لا يضع في أولويّاته كسر شوكة هؤلاء بإجبارهم وفق القانون على الإلتزام بتركيب عدّادات وتسعيرة وزارة الإقتصاد، هو برنامج عاجز سلفاً..ثانياً، القضاء على شبّيحة الشوارع والأرصفة والبسطات مع توفير أماكن عمل لمَن يعتاشون من هذه المهنة، وليس لمن يشبّحون على المواطن وعلى صاحب البسطة نفسه..ثالثاً وليس أخيراً، قطع دابر حارقي الدواليب، فهؤلاء يساهمون في تسميم الكبار والصغار والبيئة من أجل حفنة من الدولارات تصبّ عمليّاً في جيوب أصحاب البور المخالفة وغير المخالفة!
لن نطلب الكثير، فنحن نعرف أنّ اللائحة تطول وتطول، ولا يجوز رمي كلّ الأثقال على القادمين الجدد في ظلّ إقتصاد عاجز، ولكنّنا مصرّون على أن تكون للشريف وزملائه في اللائحة “بصمة بيضاء” تُعيد للبلدية دورها التنموي – الأمني – السياسي، وتُعيد بعض الأمل بأنّ الشجعان يمكن أن يصنعوا فرقاً، كما يمكن لهم أن يرسموا فوق جبين المدينة “قوس قزح” يجمع بين الزمن الجميل وبين الآتي من الأيّام الحبلى بالأماني والقرارات الجريئة وما تيسّر من المشاريع!