الضاحية تنزف نزوحاً وخوفاً

يتكرر المشهد نفسه في الضاحية الجنوبية لبيروت كلما استهدفت الطائرات الإسرائيلية المنطقة. الخوف والذعر يعمّ المكان، والناس يتحركون في كل الاتجاهات وسط فوضى عارمة وزحمة سير خانقة. هكذا كانت الأجواء بعد الإنذار المفاجئ الذي أطلقه الجيش الإسرائيلي يوم الأحد، مطالبًا السكان في منطقة حي الجاموس بالابتعاد عن أحد المباني قبل أن تشن طائراته غارة عنيفة على المكان، ليعود الجميع بعدها إلى منازلهم، آملين ألا يعيدوا تجربة مماثلة، حيث لا قدرة لهم على مغادرة المنطقة.

مشاعر الخوف نفسها

تقول عليا، وهي سيدة في الثلاثينيات من عمرها وتعيش في حي الجاموس، لـ«الشرق الأوسط»: “لا شيء مختلف هذه المرة… مشاعر الخوف نفسها والقلق ذاته”. وتضيف: “كنت في المنزل عندما تلقيت اتصالاً من أحد الأقارب يخبرني أن إسرائيل ستستهدف الضاحية. كان الخبر صدمة كبيرة، خاصة عندما شاهدت خريطة الاستهداف التي نشرها أفيخاي أدرعي على حسابه على (إكس)”.

عاشت عليا لحظات من التردد والخوف الشديد، وتوضح: “كان صوت الرصاص يملأ المكان، وبدأ شباب الحي يقرعون الأبواب بعنف. لم نعلم كيف وصلنا، أنا وأمي المسنّة وشقيقي، إلى أسفل المبنى”. تصف عليا ما عايشته قائلة: “لم أستطع أن أصف الرعب بالكلمات… هذا كله قبل أن يحدث الاستهداف فعلاً. خرجنا إلى الشارع متجهين نحو (مسجد القائم)، على بعد 500 متر، وانتظرنا هناك حتى نفذ الاحتلال ثلاث غارات تحذيرية، ثم كانت الغارة الرابعة عنيفة. طوال الوقت، كانت طائرات الاستطلاع تحلق فوقنا”.

بعد نحو ساعة ونصف، عادت عليا إلى منزلها، لتصف ما عاشته بـ”عرض مسرحي بطله الوحش”. وتقول: “منذ انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، وأنا أعيش في حالة من اضطراب ما بعد الصدمة، وهذا يزداد مع كل حادثة مشابهة”.

خوف متكرر

رغم رغبتها في الانتقال إلى مكان أكثر أمانًا، تصطدم عليا بعائق الإيجارات المرتفعة في المناطق الأخرى. وتضيف: “نعيش هذه التجربة مرارًا وتكرارًا. نخرج من بيوتنا على عجل، تُحذرنا إسرائيل ثم تقصفنا. متى ستنتهي هذه الدوامة؟ ماذا يريدون منا؟”

ترميم للمرة الثالثة

مثل عليا، اعتقد كثيرون أن الأحد كان يومًا عاديًا، حتى وصلهم التحذير. حسين، أحد سكان المنطقة، يروي لـ«الشرق الأوسط»: “سمعت عن التحذير من صديق، وكان الصدمه كبيرة عندما اكتشفت أن منزلي ملاصق لمكان الاستهداف، فخرجنا بسرعة وتوجهنا إلى منزل عائلة زوجتي في مكان آمن. على الطريق، سمعنا دوي إطلاق نار كثيف، وزحمة سير خانقة كانت تجعل اليوم كأنه يوم القيامة”.

وعندما عاد حسين صباحًا، اكتشف أن منزله تضرر مجددًا، ليواجه تحديًا آخر في ترميمه للمرة الثالثة بعد الحروب المتتالية. يقول: “لقد قمت بترميمه بعد حرب الـ66 يومًا، ثم بعد الضربة السابقة. والآن، الأضرار كبيرة جدًا، والمنزل أصبح غير صالح للسكن”.

على الرغم من التحديات المادية، يخطط حسين لاستئجار منزل في “منطقة محايدة” خارج الضاحية، لكن الإيجارات مرتفعة والملاك يطلبون دفع بدل أشهر مسبقًا.

صعوبة في التعامل مع الواقع

كما في كل استهداف، عاش حسين وعائلته مشاعر الخوف، وخاصة طفله البالغ من العمر 8 سنوات، الذي وجد صعوبة في النوم ليلة الأحد-الاثنين بسبب ما عاشه من خوف وحزن على غرفته ومقتنياته الخاصة.

فيما يخص ما يجري، يرى حسين أن “إسرائيل تستبيح كل لبنان، وليس الضاحية فقط”. ويتساءل: “أين يذهب الناس عندما يحدث هذا؟ وكيف ستتعامل العائلات المتضررة، التي أصبح العديد منها غير قادر على استئجار منزل آخر؟”.

وكان حسين قد حصل على بدل ترميم من «مؤسسة جهاد البناء» بعد الحرب، وقد حضرت المؤسسة يوم الاثنين إلى المنطقة لتقييم الأضرار، استعدادًا لتعويض المتضررين في وقت لاحق.

الإنذارات المتجددة

منذ إعلان الجيش الإسرائيلي عن مكان الاستهداف الأول بعد ظهر الأحد، وحتى تحذيره الثاني في المساء، تجددت حالة الرعب بين الناس. تقول منى، وهي سيدة خمسينية من سكان المنطقة: “للأسف، كان علينا الخروج مجددًا بعد ساعات قليلة من المنزل، وقضينا الليلة في منزل ابني في بيروت الإدارية. كنا خائفين من أن نستهدف مجددًا أو أن تتطاير الشظايا وتصيبنا”.

المصدر : حنان حمدان – الشرق الأوسط

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top