كتب د. عبدالله بارودي

ها قد انتهت الإنتخابات البلدية و الإختيارية تقريبًا في لبنان، على اعتبار ان الجولة الرابعة والأخيرة الأحد القادم في محافظتيّ الجنوب و النبطية لن تشهد تغييرات جذرية و سيبقى الحال على ما هو عليه من خلال سيطرة “حزب الله” و”حركة أمل” على معظم البلديات جنوبًا، والباقي اما سينتهي توافقيًا، او في سيخوض صراعات و منافسات عائلية كما حصل في معظم القرى والبلدات اللبنانية شمالًا و بقاعًا ..
تبقى صيدا عاصمة الجنوب و التي مهما جاءت نتائجهاذ، سيكون أهلها مطمئنين لسير العمل التنموي والإنمائي فيها، بضمانة و رعاية السيدة بهية الحريري التي استطاعت عبر السنين ان تشبك علاقات نموذجية مع مختلف الأطراف الصيداوية بعيدًا عن الخلافات السياسية من أجل مصلحة أبناء صيدا..

أما في بيروت فقد استطاع تحالف الأحزاب السياسة بإختلافاته و تناقضاته ان يحقق انتصارًا متوقعًا ويضمن المناصفة بين المسلمين و المسيحيين في المجلس البلدي. هذا العرف الذي كرّسته “الحريرية الوطنية” للمحافظة على وحدة بيروت و منع تقسيمها و شرذمة و تباعد أبنائها..
تحالف سياسيّ عوّض غياب الرئيس سعد الحريري و “تيار المستقبل” عن المشهدية الإنتخابية حيث ظهر و اضحًا انكفاء جمهوره و مناصريه عن المشاركة في الإقتراع، مما سهّل عمليًّا الوصول لهذا الإنتصار الكبير و الحاسم للائحة “بيروت تجمعنا” للعبور نحو مناصفة لم يرد الحريري ان تنكسر بغيابه، حتى لو حقق هذا الأمر انتصارات لمنافسيه كالنائب فؤاد المخزومي الذي استطاع من خلال هذا الإستحقاق تعويض اخفاق الإنتخابات النيابية، بعد أن ظهر بمظهر المهندس لهذه اللائحة و عرّابها سنّيًا خصوصًا مع تولي المهندس ابراهيم زيدان (ابن خالته) رئاسة بلدية بيروت.
ثم “جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية” التي حافظت على قدرتها التجييرية، فساهمت الى حدٍ بعيد بإرتفاع معدّل أصوات “بيروت تجمعنا”..
في المقابل، و في صورة معاكسة لما حصل في العاصمة بيروت، و بغياب أيضًا ل”تيار المستقبل”، خذلت طرابلس السياسيين، ولقّنهم أهلها درسًا قاسيًا و مُرًّا من الصعب نسيانه على المدى القريب، بعد ان فشلت لائحتهم “رؤية طرابلس” بتحقيق أكثر من نصف مقاعد المجلس البلدي ( 12 مقعد) تاركة النصف الآخر للائحة “نسيج طرابلس” ( 11 مقعد) و لائحة حراس المدينة (مقعد واحد، و هو ما يعني احتدام المنافسة على كرسيّ رئاسة البلدية بين الصيدلي عبد الحميد كريمة رئيس لائحة ” رؤية طرابلس”، والمهندس وائل زمرلي رئيس لائحة ” نسيج طرابلس”.
و قد بدأت المغاوضات بين الفريقين بشكل غير مباشر لحسم المسألة مبكرًا، لكن جميعها باءت بالفشل.
و بغض النظر عن اسم الرئيس المقبل، بدأ الطرابلسيون يطرحون السؤال تلو الآخر، كيف سيكون واقع العمل البلدي؟ و هل سيحصل التناغم المفترض بين كافة الأعضاء؟ و هل سيحقق هذا المجلس و جلّه من الشباب انجازات بلدية اشتاقت لها المدينة؟

ثمة من يقول، ان مدينة طرابلس لم تشهد انتخابات بلدية هذا العام مع تدني نسبة الإقتراع لحدود 17%، لكن هذه النسبة كانت كفيلة بأن يصاب التحالف المستجد بين ريفي وكرامي وكبارة و معهم صاحب الفضل الأول بنجاحهم بنصف المقاعد البلدية “ناجي” بصفعة قوية ستجعلهم يفكرون ألف مرّة قبل إعادة “الكَرّة” في الإستحقاقات المقبلة.. و حده النائب ايهاب مطر أدرك تفكير أبناء المدينة و فهم تمامًا ان هذا التحالف يعاكس تطلعاتهم، فأخذ خياره مبكرًا بالوقوف خلف بعض هيئات المجتمع المدني و جمعياته الأهلية فحقق نصف انتصار كامل ماديًا، و احترام وتقدير أهل المدينة معنويًا، في حين تقاسم النواب الأربعة النصف الآخر ، لكنهم فقدوا احترام وتقدير أبناء الفيحاء!..

لكن في المقلب الآخر، لم يستطع المجتمع المدني أخذ ثقة الطرابلسيين نتيجة تشرذمه و توزعه على عدة لوائح كانت كفيلة بأن تساعد التحالف السياسي على اقتسام المقاعد البلدية معهم، لتبقى الشخصانية و تحقيق المصالح الضيّقة عند الطرابلسيين أهم من بلوغ مصلحة المدينة وتحقيق تطلعات وآمال أهلها..

ثمة من يقول، ان الرئيس ميقاتي استطاع بحنكة و حكمة ان يخرج من هذا الإستحقاق ك”الثوب الأبيض” لا إثم عليه. أصرّ على موقفه و مشى، تاركًا “للعفاريت الأربعة” المغامرة، فنصب لهم الكمين و وقعوا فيه، ظنوا انه “الإرث السياسي الحلال”، لم يعلموا ان وراثة “الأحياء” تفرض موافقة أصحابها.. و نجيب ميقاتي لم يوافق!..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top