
بقلم جوزاف وهبه
لقد باتت “الولادة المسيحية” أشبه بالولادة من الخاصرة، وفي أحسن الأحوال هي ولادة قيصريّة.فيما مضى، كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يُشرف على العملية بكلّ تعقيداتها وتفاصيلها، فتأتي النتائج مرضية، مريحة، “زيّ ما هيّي”.وتابع الرئيس سعد الحريري خطاه، مفسحاً المجال أمام المناصفة في بيروت، ومصرّاً على نيابة الرئيس للمرشّح الرابح في طرابلس (وكان يربح أكثر من عضو في اللائحة المدعومة منه ومن غيره من السياسيين السنّة..).
اليوم، نحن أمام عقدة “الديموغرافيا” وأمام عقدة “القيادة السنيّة القويّة”.الفراغ يحيط بالمكانين:في العاصمة الأولى يتضاءل العدد المسيحي بحكم الهجرة وأمور أخرى، وفي العاصمة الثانية يكاد يغيب هذا الوجود بالرغم من وجود نائبين مسيحيين، يفترض أنّهما يمثّلان طرفيين سياسيين فاعلين:عن المقعد الماروني النائب إيلي خوري ممثلاً القوات اللبنانية، وعن المقعد الأرثوذكسي النائب جميل عبود ممثلاً النائب نعمة افرام الذي يُبرم الإتفاقات الناجحة في جونيه وكسروان:فلماذا كلّ هذا الغياب عن طرابلس؟
ربّما في بيروت، ثمّة مَن يحاول:النائب فؤاد مخزومي، النائب وضّاح صادق، القوات، الكتائب، رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وبالطبع أطراف أخرى تسعى إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، علماً بأنّ “لعنة الديموغرافيا” باتت صخرة يصعب زحزحتها.ونجدها ليس في الإنتخابات البلدية فقط، بل في كلّ مفاصل الدولة، في وظائف الدرجة الأولى، في الجيش وقوى الأمن وحتى مأموري الأحراج.لم يعد يمكن اللجوء إلى “الترقيع” عشيّة كلّ إستحقاق.لا بدّ من حلول جذرية.لا بدّ من الإنتقال بالبلد من الطوائف والمذاهب والعائلات والملل..إلى فسحة الوطن:هل نحن مؤهّلون، أو جاهزون لذلك؟ لا شيء يوحي بذلك.ندور وندور في الحلقة المفرغة، حتّى يقضي الله أمراً كان مفعولا!
في طرابلس، الأمر أكثر جللاً.المسيحيون قلّة قليلة، وكان يُعوّل على بعض القيادات الجديدة أن تستنهض مَن تبقّى أو أن تخلق حالة فاعلة (نوع من اللوبي الإيجابي الضاغط..)، ولكن ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه.الإنتخابات البلدية كشفت هشاشة الوضع، كما كشفت عجز “النائبين” (وأحدهما يتحملّ المسؤولية أكثر من الآخر) عن القيام بأيّ دور علني فعّال.كلّ ما فهمناه أنّ 9 مسيحيين فقط ترشّحوا في ظلّ وجود 6 لوائح، ما يعني “تقصير فاضح في عملية الترشح”:مَن المسؤول؟بالطبع ليس مزاج طرابلس أو ناخبو طرابلس.المسؤولون هم رعاة الطائفة المسيحية، وهم كُثر في الأعياد والمناسبات والمجاملات، ولكنّهم قلائل “وقت الجد”..لماذا؟ أين المطارنة، ولماذا لم يقوموا بدورهم في حثّ رعيّتهم على الإقدام والترشح؟ ولماذا استطاع مثلاً في الميناء بعض رجال الأعمال (ولو على شكل صراعات شخصية ونفوذ) أن يقوموا بهذا الدور بنجاح، في حالة تشبه أدوار شخصيات سياسية لعبت هذا الدور سابقاً كالنائب الراحل موريس فاضل، والوزير الراحل جان عبيد وفؤاد البرط..وغيرهم؟
حتى المرشحين التسعة إنسحب بعضهم، وأحدهم تخلّف عن المشاركة ببيان طويل عريض بلا معنى ولا مضمون، بعد أن أدرج إسمه وصورته في إحدى اللوائح.بمعنى أنّ عدم التمثيل المسيحي في المجلس البلدي لا يعود إلى الواقع السنّي الغالب في المدينة، وإنّما إلى التلكؤ السياسي والشعبي للمسيحيين أنفسهم، خاصة عندما نلمس أنّ المرشّح الماروني رشيد شبطيني كان ينافس مرشحين سنّيين على الفوز حتّى الصندوقين الأخيرين!
مع صدور النتائج في طرابلس، بلا وجوه مسيحية، يكون المسيحيون (سياسيين ورجال دين ومواطنين) هم المسؤولون أوّلاً وأخيراً.وأيّ كلام خلاف ذلك هو افتراء على المدينة بكلّ أطيافها ونسيجها.اللوائح المختلفة التوجّهات كانت متاحة لمّن يريد..ولكنّهم، للأسف، لم يريدوا!