
بقلم جوزاف وهبه
القصّة بدأت مع بداية “حرب الإسناد” التي أطلقها حزب الله من جنوب لبنان ضدّ إسرائيل، دعماً لغزّة وحركتي حماس والجهاد الإسلامي إثر عملية “طوفان الأقصى”، تحت عنوان جذّاب “في الطريق إلى القدس”.ولم يطل الأمر حتّى انخرطت الجماعة الإسلامية، بجناحها العسكري “قوّات الفجر”، في عمليّات إطلاق الصواريخ نحو الجليل الأعلى وفي السقوط المتتالي للشهداء من صفوفها وقياداتها، وقد كان في حسابات قيادة الجماعة (ويُقال أنّه كان ولا يزال هناك خلاف حادّ بين جناحين، الأوّل حذّر من تداعيات هذه المشاركة، والثاني رأى فيها فرصة ذهبيّة لإعادة توحيد حركات الإخوان المسلمين في المنطقة) أنّ المزاج السنّي في لبنان متعطّش لهذه المشاركة، حيث أنّ القضيّة الفلسطينية طالما كانت أولويّة في ضمير الأمّة الإسلامية والعربية عموماً، وفي ضمير أهل السنّة خصوصاً!
في المقابل، كيف تصرّفت حيال حرب غزّة وحرب الإسناد “جمعيّة المشاريع الخيرية الإسلامية”، وهي التي طالما كانت الأقرب إلى محور الممانعة، أكان بالعلاقة مع النظام السوري (بشّار الأسد)، أو بالعلاقة مع حزب الله، حيث تترجمت هذه العلاقة على الدوام، مثلاً في طرابلس، بالتحالف الإنتخابي الثابت مع كلّ من النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد كرمزين ممانعين في قضاء طرابلس – المنية – الضنّية؟
لقد نأت قيادة المشاريع بنفسها كلّياً عن تداعيات “الحربين”:إكتفت ببيانات الدعم لغزّة وأهلها وللقضيّة الفلسطينية في مواجهة العنف الإسرائيلي، ولم تنجر إلى أيّ شكل من أشكال “العسكرة”، لا في بداية مبادرة الحزب لفتح جبهة الجنوب، ولا عند نهاية الردّ الإسرائيلي الصاعق الذي أدّى إلى ما أدّى إليه من هزيمة مدوية للمقاومة الإسلامية، وإلى نوع من أنواع الإستسلام في إتّفاق وقف إطلاق النار برعاية مطبقة للولايات المتّحدة الأميركية!
..فما كانت نتائج هذين الموقفين المتعارضين، ربطاً بالتحوّلات الداخلية، وربطاً بالإنتخابات البلدية في كلّ من طرابلس وبيروت؟
في بيروت، فاز جميع مرشّحي المشاريع، في المجلس البلدي وفي المقاعد الإختيارية، فيما خسرت الجماعة الإسلامية كامل الجولة، بمعنى أنّها لم تحظَ حتّى بلفتة ولو صغيرة من “حليفها المفترض” في حربي غزّة والإسناد، أي حزب الله الذي التزم التزاماً كاملاً بلائحة “بيروت بتجمعنا” لأّنّه أراد من ذلك تظهير ديمومة إلتزام بيئته الحاضنة بتوجّهاته، وقد نجح في ذلك، حيث ارتفعت نسبة التصويت الشيعي في العاصمة عن إنتخابات عام 2016، بالرغم من تحالفه مع “العدوّ الأوّل” القوات اللبنانية!
في الشمال وطرابلس، الخلاصات أكثر فقاعةً:
في البداوي، خسر عضو المكتب السياسي سعيد العويك (الرئيس الأسبق للبلدية) معركته أمام الرئيس الحالي حسن غمراوي، علماً بأنّ تجربة عويك كانت ناجحة في العمل البلدي..فما الذي بدّل من مزاج الناخبين؟ وكما في البداوي، كذلك في ببنين (عكار) المعقل التقليدي للجماعة، لم تنجح لائحتهم مسجّلة خسارة إضافية، مع عدم فوز مرشّحها غسان سبسبي.
في طرابلس، المقارنة أسهل.لقد فاز مرشحا المشاريع (عمّار كبارة وفلاح النمل) على لائحة “رؤية طرابلس” (حصلت على 12 مقعداً)، فيما سقطت لائحة “حرّاس المدينة” المدعومة من الجماعة، باستثناء المرشّح ابراهيم العبيد الذي لا يزال “سرّ أصواته” لغزاً يحيّر الجميع.أمّا رأس اللائحة الدكتور خالد عمر تدمري، والذي أصرّت الجماعة على ترئيسه ما أفشل التحالف مع لائحة “نسيج طرابلس (فاز منها 11 مرشحاً)، إنّما كان أحد الأسباب الرئيسية لفشل “حرّاس المدينة”، ولخروجهم من مُولد مجلس بلدية العاصمة الثانية “بلا حمّص” كما يُقال.
ولا يخفى على أحد أنّ الدكتور عبد الحميد كريمة الذي ترأّس لائحة النواب الأربعة (أشرف ريفي، فيصل كرامي، كريم كبارة وطه ناجي) إنّما حظي بتزكية قوية من النائب ناجي رئيس جمعية المشاريع في الشمال، بمعنى أنّهم كانوا من الداعمين الأساسيين له وللائحته (رؤية طرابلس) ما أبعد عن الواجهة كلّاً من الدكتور خلدون الشريف والمهندس أحمد مصطفى ذوق.وقد تجلّى هذا الدعم بالوجود الفاعل والمباشر لماكينة المشاريع الإنتخابية، فيما اقتصر دعم باقي النواب على “ما تيسّر”!
أمّا قدرة المشاريع على فرض خيارهم إنّما تأتّى من الإجتماع الذي عُقد، بالتوازي مع توقيت البحث عن “إسم الرئيس”، بين السفير السعودي وليد البخاري ونائب بيروت عدنان طرابلسي ووفد من المشاريع، ما أعطى إنطباعاً بأنّ الرياض تؤيّد توجّهات المشاريع في بيروت (إنضمّوا إلى التحالف الذي أوصل إلى المناصفة)، وبالتالي في طرابلس حيث تراجع كلّ من اللواء أشرف ريفي عن خياري الشريف وذوق، كما تراجع النائب كرامي عن خيار العميد محمد فوّال الذي سارع إلى إعلان إنسحابه من المعركة.
“على نفسها جنت براقش” يصحّ هذا المثل العربي القديم على توصيف أداء الجماعة الإسلامية في حربي غزّة والإسناد، متجاهلين الغضب السعودي المحتمل، مع سوء تقدير إنعكاس ذلك على الشارع السني الذي رأى في “قوّات الفجر” فصيلاً عسكريّاً ملحقاً بحزب الله، لا أكثر ولا أقل، وليس عملاً وطنيّاً قومياً يصبّ في خدمة القضية الفلسطينية.أحياناً التكتيك يغلب على الاستراتيجيا، وهذا ما فعله الرأي العام السنّي الذي غلّب تناقضه الآنيّ مع الحزب على صراعه الطويل من أجل فلسطين.
باختصار، “الجماعة” خسرت أوراقاً كثيرة، و”المشاريع” راكمت من أرباحها..بانتظار معرفة كيفيّة إنعكاس كلّ ذلك على الإستحقاق النيابي القادم في أيّار 2026!