لم تصل المؤسسة العسكرية منذ نشأتها تحت قيادة الامير فخر الدين الى الواقع الاليم الذي نشهده اليوم. فقيادتها كانت منذ عهد الإمارة مصدر فخر واعتزاز وهيبة، الاّ انّها وقعت اليوم للأسف في مصيدة “حرب التمديد” التي انطلقت منذ سنة، فأنهكتها وألهتها عن واجباتها الوطنية، وأدخلتها في آتون السياسة الداخلية، كذلك ألهت المعنيين في الداخل عن التركيز على الملف الرئاسي، فوقع الجميع في الفخ وباتوا يخوضون معركة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون ويتقاذفون الاتهامات، وكلٌ يدير دفّة المعركة وفق أجنداته.
أمام هذا الواقع، تحرّك المجتمع الدولي الذي ارسل وفوده الى لبنان في مهمّات للوساطة في إنجاز الاستحقاق الرئاسي، الاّ انّه بدوره يقع في الفخ وينقل معركة “الدفع الرئاسي” الى معركة “التمديد لقائد الجيش” الذي تنتهي ولايته بعد اقلّ من شهر. فيما ينشغل اللبنانيون وقادتهم في “المعركة الصغيرة” في خضم المعارك الكبيرة التي تدور في المنطقة…
فما هو جديد هذه المعركة التي يتقاذفها المعنيون مثل سواها من معارك، التمديد لقيادات الأجهزة الأمنية من مجلس النواب الى مجلس الوزراء؟ والتي مثل سابقاتها تصطدم في النهاية بحواجز ملغومة “مجهولة” المصدر لتذوب وتُنتسى.
وفي خضم أحداث غزة والحديث عن تطبيق القرار 1701، يدعو رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى عقد جلسة تشريعية في غياب رئيس الجمهورية، جدولها فضفاض، من أبرز بنوده اقتراحات القوانين المعجّلة المتعلقة بالتمديد لقائد الجيش وقادة الاجهزة الأمنية. وفي اليوم نفسه وعلى الرغم من وجود رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في جنيف، تسارع الأمانة العامة لمجلس الوزراء الى الاعلان عن جلسة لمجلس الوزراء تُعقد غداً، للبحث في جدول اعمال طويل، سيُطرح من خارجه حكماً بند التمديد لقائد الجيش، وذلك بناءً على طلب ميقاتي وربما من آخرين!
مصادر مطلعة قرأت في الدعوتين الى جلستي مجلسي النواب والوزراء “قطبة مخفية”، غايتها الانتهاء من ازمة الفراغ في قيادة الجيش، في اي من المجلسين، وذلك قبل البدء بالبحث في طريقة تنفيذ القرار 1701.
السيناريوهات المتوقعة في مجلس النواب بحسب المصادر المتابعة هي الآتية:
الإسهاب في مناقشة المشاريع المطروحة على جدول الاعمال قبل إقرارها، الامر الذي سيؤجّل البتّ بموضوع التمديد لقائد الجيش سنة كما هو مطروح في اقتراحات القوانين التي قدّمها حزب “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي” (اللذان اتفقا على توحيد مشاريعهما منعاً لإحالتها الى اللجان النيابية )، وبذلك تمهّد الإطالة في مناقشة اقتراحات القوانين التي من المتوقع ان تستمر لثلاثة ايام، لإعطاء بري (PASSE) لرئاسة الحكومة للبت بموضوع تأجيل تسريح قائد الجيش.
وتكشف المصادر المتابعة لـ”الجمهورية”، أنّ اتفاقاً يجرى العمل به بين “حزب الله” ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، يقضي بقبول الاخير بتأجيل تسريح قائد الجيش 6 اشهر على ان يوجّه وزير الدفاع موريس سليم كتاباً الى الحكومة بهذا المعنى، فيحصل بالمقابل على تعهّد بإخراج اسم قائد الجيش من الحلبة الرئاسية، الاّ انّ الاتفاق على هذا السيناريو لم يُحسم بعد.
سيناريو آخر يفيد أنّ قرار التمديد قد حُسم، والبحث يجري في طريقة اجراء هذا التمديد الذي اتفق المعنيون على بتّه في مجلس الوزراء وليس في مجلس النواب، على ان يُترك باب الطعن مفتوحاً امام وزير الدفاع او من يرى نفسه متضّرراً من هذا التمديد، وبذلك تكون الحكومة ومجلس النواب قد أرضيا المجتمع الدولي والضغط المتأتي عنه، ووقف الضغط الداخلي بالقول “اننا ادّينا مهمّتنا… وما تبقّى تتحكّم به القوانين والاصول الدستورية”، في وقت تؤكّد مصادر قريبة من السرايا الحكومي أنّ الامين العام لرئاسة الحكومة محمود مكية قد أنجز دراسة قانونية قدّم فيها حلولاً لتفادي الشغور في القيادة العسكرية، وقدّم اجوبة استباقية على أي طعن محتمل في المستقبل.
غير انّ مصادر حقوقية تؤكّد أنّ احتمالات الطعن كبيرة ومتقدّمة في حال تمّ التصويت على تأجيل التسريح في مجلس الوزراء، ويمكن ان يبت بالطعن في مهلة قصيرة في مجلس شورى الدولة، يمكن خلالها وقف التنفيذ خلال 15 يوماً ولن يستغرق أشهراً كما قيل وكُتب.
القوات “تلطي” للمجلس والحكومة
الجدير ذكره انّ حزب “القوات اللبنانية”، الذي كان يشترط حضوره في الجلسة التشريعية إدراج بند التمديد سنة لقائد الجيش، قرّر المشاركة في الجلسة التشريعية، ولو تمّ “تعليق” بند التمديد حتى الانتهاء من إقرار كل بنود جدول الاعمال، وقرّر بري وضعه آخر بند على هذا الجدول، وحتى لو امتدت الجلسات لثلاثة ايام بحجة علنية ترى فيها “القوات” انّ “الضرورات تبيح المحظورات وانّ لبنان في حالة حرب”، وهذا ما أقرّت به علناً بلسان رئيسها، لكنها في الحقيقة تراهن على العودة الى مجلس النواب للمطالبة بإقرار بند التمديد في نهاية الجلسات التشريعية في حال فشل مجلس الوزراء في تأجيل تسريح قائد الجيش في جلسته غداً، اي انّ “القوات” تحاول بذلك محاصرة المجلسين و”تكمن” للمجلس وللحكومة في آن معاً.
هل يحسمها القائد؟!
في ظلّ المعلومات التي تفيد عن تكثيف الاتصالات بين السفارتين الفرنسية والسعودية وبكركي، وبين بري وميقاتي، حُكي عن تحرّك مهم قام به موفد لقائد الجيش الى باريس. الاّ انّ اوساطاً قريبة من القيادة نفت ان يكون قائد الجيش قد قام بأي تحرّك في اتجاه الخارج بغية الوساطة من اجل التمديد له، فيما لمحت تلك الاوساط الى مفاجأة محتملة قد يبادر قائد الجيش اليها بناءً على نصيحة صديق، وهي الاعلان عن رفضه البقاء ساعة واحدة في القيادة بعد انتهاء ولايته…
أوساط قريبة من قائد الجيش اعتبرت انّ تلك الفرضية قد يلجأ اليها الرجل لأنّه ربما لن يتقبّل ان يتمّ تقاذف اسمه بين المجلسين، وإضعاف صورته داخلياً وخارجياً، فيظهر وكأنّه “يشحذ” اشهراً يتيمة للبقاء في مركزه، حتى لو حظي بفرصة تأجيل تسريحه 6 اشهر، في ظلّ الحديث عن معارضة شرسة يقودها ضّده وزير الدفاع والجهة التي عيّنته، فضلاً عن حتمية الطعن، ما سيُضعف صورته وهيبة القيادة…
وفي ظلّ الحديث عن تحركات يتمّ التحضير لها في الشارع لدى الفريقين المؤيّد للتمديد والمعارض له، وانطلاقاً مما ذُكر، هل سيحسمها عون منعاً لانقسام الشارع والمؤسسة العسكرية، وتجنّباً لأن يصبح طرفاً وليس خياراً حيادياً، فيفاجئ الجميع برفض تأجيل تسريحه ويخرج منتصراً من هذه المعركة التي ستحرقه اذا ما استمرت، واستمر هو في مواجهتها، فيعيد تعزيز فرص فوزه في معركة الرئاسة؟
المصدر: مارلين وهبة-الجمهورية