
شهدت مختلف المناطق اللبنانية معارك انتخابية ساخنة، لا سيما في المدن والبلدات الكبرى حيث طغى الطابع السياسي، لكن المعركة الأهم بالنسبة لغالبية الأحزاب لم تكن في صناديق الاقتراع فحسب، بل تمحورت حول من سيتولى رئاسات اتحادات البلديات. فما السبب وراء هذا الاهتمام المتزايد؟
تُعتبر اتحادات البلديات ركيزة أساسية في التنمية المحلية، إذ إنها الجهة القادرة على جذب المشاريع الكبرى على مستوى الأقضية، سواء من خلال الوزارات أو عبر الجهات الدولية المانحة، ما يعود بالنفع على سكان المناطق المحيطة. وترى القوى السياسية والكتل النيابية في هذه الاتحادات أداة مؤثرة سياسياً وخدماتياً، ما يجعل السيطرة عليها هدفاً بحد ذاته.
الباحث في “الدولية للمعلومات”، محمد شمس الدين، أوضح لموقع mtv أن هناك تنافساً سياسياً واضحاً على هذه الاتحادات، لكنه يرى أن الوقت لا يزال مبكراً لتحديد كيفية توزيع رئاساتها بين القوى المختلفة. ورغم شدة المعركة، يعتبر شمس الدين أن “هذا التنافس في غير محله”، نظراً لأن غالبية اتحادات البلديات اليوم مفلسة، ولا تمتلك الموارد المالية الكافية لأداء واجباتها، مضيفاً: “لن يكون هناك تمويل فعلي خلال السنوات الثلاث المقبلة”.
وتحصل اتحادات البلديات عادة على تمويل من مصدرين رئيسيين: الأول يتمثل بـ10% من مجموع إيرادات البلديات الأعضاء، والثاني يأتي من تحويلات “الصندوق البلدي المستقل”. كما يمكن أن تتلقى دعماً إضافياً عبر الهبات والمشاريع الممولة من منظمات دولية وسفارات أجنبية.
لكن هذه الموارد تراجعت بشكل دراماتيكي منذ بدء الأزمة الاقتصادية عام 2019. فبحسب شمس الدين، كانت التحويلات السنوية لاتحادات البلديات تبلغ حوالي 37 مليون دولار قبل الأزمة، لكنها انخفضت اليوم إلى نحو 680 ألف دولار فقط. ويضرب مثالاً باتحاد بلديات المتن الشمالي، الذي كان يحصل على 1.6 مليون دولار سنوياً، ما مكّنه من تنفيذ مشاريع تفوق قيمتها 10 ملايين دولار خلال ست سنوات. أما اليوم، فلا تتجاوز تحويلاته 29 ألف دولار سنوياً.
أمام هذا التدهور، يرى شمس الدين أن الصراع على اتحادات البلديات “لا جدوى منه”، رغم أن البعض يعتقد أن الوضع سيتحسن مستقبلاً، لكنه لا يرى في الأفق القريب ما يدعو للتفاؤل.
يُذكر أن لبنان يضم 61 اتحاد بلديات، تشمل 708 بلديات من أصل 1065، إذ أن عدداً من البلديات لا ينتمي لأي اتحاد.
ورغم ضعف التمويل، تظل هذه الاتحادات محورية، خصوصاً مع تنامي النقاش حول اعتماد اللامركزية الإدارية الموسعة، والتي يُتوقع أن تشكل اتحادات البلديات العمود الفقري لها. وهذا ما يفسّر الحراك السياسي المكثف للهيمنة على إدارتها، تحضيراً للمرحلة المقبلة.
المصدر : نادر حجاز – mtv