
بقلم جوزاف وهبه
كشفت الإنتخابات البلدية الأخيرة في ما كشفته “هشاشة” الحالة التغييريّة في لبنان التي تمثّلت بدايةً في انتفاضة 17 تشرين 2019 (كلّن يعني كلّن)، والتي استكملت صعودها بوصول 13 نائباً “تغييريّاً” على امتداد الأراضي اللبنانية، من مدينة زغرتا إلى الجنوب والشوف، دونما احتساب نائب طرابلس الدكتور رامي فنج الذي عاد وأسقطه المجلس الدستوري لمصلحة فوز النائب فيصل كرامي عن المقعد السنّي الخامس، وفق أحكام قد تكون سياسيّة أكثر ممّا هي حسابات صناديق وأصوات وأوراق ملغاة.وقد أدّى هذا التبديل آنذاك إلى فرط عقد نوّاب المدينة، وبالتالي خسارتها “لوبي سياسي” كان يمكن له – لو استمرّ – أن يُحسّن من شروط الحصول من الدولة المركزيّة على بعضٍ حقوق المدينة المهمّشة.وحصل كلّ ذلك بسبب إصرار النائب كرامي على ربط علاقته بالقوات اللبنانية بجريمة استشهاد الرئيس رشيد كرامي خلال الحرب الأهلية، ما جعله يمتنع عن الجلوس على طاولة واحدة مع النائب عن المقعد الماروني القوّاتي إيلي خوري!
وفي “السيرة الذاتيّة” للنوّاب 13 الكثير الكثير من الدعسات الناقصة والمناكفات إلى حدّ التناقض والمواقف الشعبويّة غير المسؤولة ما جعل “البناء التغييري” ينهار فوق رؤوسهم، وبالتالي أوصلهم إلى الفشل المدوي في معركة “بيروت مدينتي” التي لم يفز أحد من مرشحيها، وبفارق كبير عن كلّ من لائحة التوافق السياسي (فاز 23 عضواً) ولائحة تحالف النائب نبيل بدر والجماعة الإسلامية التي فاز رئيسها محمود الجمل.
النواب ال 13 تفرّقوا باكراً (كعشّاق صيف عابر..) غير مبالين بالجراح التي تركتها السلطة التي كانت قائمة عام 2019 (برعاية كاملة من حزب الله) في عيون وأجسام الكثير الكثير من الشبّان والشابّات المنتفضين، وغير مبالين بالأحلام التي تكسّرت فوق أمواج خلافاتهم، وتوزّعهم على ثنائيّات وثلاثيّات دونما تأثير أو فعاليّة في المشهد السياسي القاتم:
النائبان ملحم خلف ونجاة صليبا عون (التي أُعجِبت ذات مرّة بلطف الرئيس نبيه برّي في تعامله مع منافض الدخان..) دخلا إلى مجلس النواب معتصمين في خطوة لم يفهم أحد أبعادها ولا أهمّيتها، حيث تحوّلت إلى تندّر وحكايات يوميّة صغيرة..الدكتور الجنوبي الياس جرادي شارك في مؤتمر لأطبّاء العيون في سوريا في عزّ قيام بشّار الأسد المخلوع بفقء عيون السوريين، فاصلاً بين حدّ العلم وحدّ السيف القاطع..نائبة بيروت سينتيا زرازير قيل أنّها على وئام مع نفوذ حزب الله دون أن تتكفّل عناء “نفي التهمة” القاتلة في حينه..بولا يعقوبيان بقيت على تشاوفها وعلى استعلائها فلم تترك “للصلح مطرح” كما يُقال، في شعبويّة قطعت مدّ اليد مع المعارضة، دون أن تزعج الموالاة.أحياناً، الوسطية تصبّ في خدمة الأقوى، وسلطة الحزب كانت الأقوى دون منازع في تلك المرحلة، تماماً كما فعل النوّاب الستّة في “تكتّل الإعتدال الوطني” الذين كان حيادهم أقرب إلى مصلحة مرشّح الممانعة سليمان فرنجية، منه إلى مرشحي المعارضة المفترضين ميشال معوّض وجهاد أزعور..التكتّل الثلاثي (وضّاح الصادق، ميشال دويهي ومارك ضو) الأكثر عقلانيّة وموضوعيّة، والذين التزموا بخيارات المعارضة في الإقتراع لصالح معوّض ومن ثمّ أزعور، لم يكملوا معاً المشوار ما جعلهم فرادى، كلّ يغنّي على ليلاه..والباقون تحوّلوا إلى مجرّد “أصوات تائهة” لا يُحسب لها حساب أو اعتبار في “الطوفان العسكري – السياسي” الذي أودى بدويلة حزب الله، وبوصول العماد جوزاف عون إلى بعبدا والقاضي نوّاف سلام إلى السراي الكبير!
النوّاب التغييريّون أجادوا فعلاً واحداً، أنّهم راكموا أخطاءهم الصغيرة والكثيرة، الواحد فوق الآخر، إلى أن بلغوا الهزيمة الكبرى في استحقاق بلدية بيروت، وفي باقي المدن والبلدات، ما يجعل السؤال مُتاحاً:”إلى أين”؟
وما حصل في بيروت، حصل ما يشبهه في طرابلس، حيث النائب التغييري السابق الدكتور رامي فنج “خلع ثوبه الجديد” وبات يدور، بادئ ذي بدء في فلك نوّاب المدينة كأمين سرّ للقاءاتهم، ليقفز فجأةً قبيل الإستحقاق البلدي إلى “لائحة نسيج طرابلس” متخلّياً عن تأييده الطبيعي المفترض لأعضاء اللائحة (للفيحاء) الخارجة فعلاً من رحم انتفاضة تشرين ومن رحم النفَس التغييري، فضاعت الأصوات، وضاع التغيير وضاع النائب السابق وسط ركام الحسابات الفردية والمتعالية.
باختصار مؤلم وشديد، لقد ولّى زمن التغيير بجمهوره ونوّابه وأحلامه، بانتظار زمن آخر، ربّما تمثّله السلطة الجديدة القائمة، وربّما يرسم ملامحه الإستحقاق النيابي القادم في أيّار 2026..وبالإنتظار الطويل، كلّ تغيير ونحن لسنا في خير!