سكك الحديد في لبنان… حلم قديم وفرصة قائمة

حين يقول أجدادنا إن لبنان كان “محطة الشرق”، فهم لا يبالغون. فقد كان هذا البلد الصغير يمتلك واحدة من أوسع شبكات السكك الحديدية في الشرق الأوسط، تربط بيروت بطرابلس، وتعبر البقاع وصولاً إلى سوريا والعراق. قطارات كانت تنقل الركاب والبضائع، وتصل بين المدن، قبل أن توقفها الحرب الأهلية، التي دمّرت البنية التحتية وأوقفت الحركة. ومنذ ذلك الحين، ضاعت فرص عديدة في إعادة النبض لهذا القطاع بسبب الأزمات الاقتصادية والتجاذبات السياسية.

رغم الواقع المؤلم، لا تزال خرائط السكك القديمة شاهدة على عصر ذهبي مضى، فيما تبقى الآمال قائمة بإحيائه. فالدراسات موجودة، والتمويل الدولي متاح، بانتظار قرار رسمي يعيد هذا القطاع إلى الحياة.

في هذا الإطار، يوضح المدير العام ورئيس مجلس إدارة “مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك”، زياد نصر، أن جهوداً كبيرة بُذلت لإحياء مشروع السكك، خصوصاً الخط الساحلي الممتد من بيروت إلى طرابلس وحتى الحدود مع سوريا. وقد نتج عن هذه الجهود دراسة أُعدت عام 2017، بتمويل من البنك التثميري الأوروبي كمنحة.

ويضيف نصر أن “الاتحاد الأوروبي أبدى رغبة واضحة في دعم المشروع وتمويله عبر قرض ميسر، إلا أن الحكومة لم تضعه في سلّم أولوياتها، ولم تبادر لتوقيع العقود المطلوبة مع الجهات المنفّذة والمموّلة”.

ويشدد على أن الانطلاق يتطلب جهداً كبيراً، إذ يجب تأمين الكوادر البشرية المتخصصة، وبناء المحطات وتجهيز المباني، وشراء القطارات الحديثة، واعتماد أنظمة معلومات وتقنيات مواكبة لأعلى معايير السلامة العالمية.

ورداً على الانتقادات التي تطال مصلحة سكك الحديد، يؤكد نصر أن المؤسسة لا تملك الاعتمادات الكافية ولا الطواقم اللازمة، مشيراً إلى أن القرار بيد الدولة وليس المؤسسة.

المشروع لا يقتصر على النقل الداخلي، بل يتطلب تنسيقاً إقليمياً مع الدول المجاورة، لا سيما سوريا وتركيا، ما يعزز من جدواه الاقتصادية ويضع لبنان على خارطة النقل الإقليمي والدولي.

ويوضح نصر أن إعادة تشغيل السكك ستنعكس إيجاباً على الاقتصاد الوطني من خلال خلق فرص عمل، وتخفيف الازدحام، وتقليل الانبعاثات، وخفض الحوادث، إلى جانب تعزيز الاستثمار والسياحة، وتخفيف النزوح الداخلي.

أما أبرز التحديات، فهي التعديات على أملاك المؤسسة، والتي تفاقمت نتيجة غياب الرقابة المحلية. ويوضح نصر أن المؤسسة أجرت مسحاً للتعديات وتقدّمت بمئات الشكاوى القضائية، لكن إزالة هذه التعديات تتطلب تعاوناً جاداً من وزارة الداخلية والبلديات.

ويختم نصر بالتأكيد أن “لبنان اليوم أمام فرصة نادرة للاستفادة من الاهتمام الدولي والتغيرات الإقليمية، وإذا تحوّلت هذه الدراسات إلى تنفيذ فعلي، فقد يكون هذا المشروع بداية نهوض جديد للبنان”.

المصدر:نوال برّو
نداء الوطن

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: