سعد رفيق الحريري .. القرار ليس لك !!

بقلم خالد صالح

تقول القصة أن أبًا قبل أن يموت قال لابنه: هذه ساعة جدّ جدك، عمرها أكثر من 200 سنة، لكن قبل أن أعطيك إياها اذهب لمحلّ الساعات في أول الشارع، وقل له أريد بيعها، وانظر كم سعرها .
ذهب ثم عاد لأبيه، وقال: الساعة دُفع فيها 5 دولارات لأنها قديمة
قال له اذهب إلى محلّ “الأنتيكا”، ذهب ثم عاد، وقال: دفع فيها 5 ألاف دولار .

قال الأب: اذهب إلى المتحف واعرض الساعة للبيع، ذهب ثم عاد، وقال لأبيه: أحضروا خبيرًا وقيّمها، وعرضوا عليّ مليون دولار مقابل هذه القطعة.

قال الأب: أردت أن أعلّمك إنّ المكانَ الصحيح يُقدّر قيمتك بشكل صحيح، فلا تضع نفسك بالمكان الخاطئ وتغضب إذا لم يقدروك، فمن يعرف قيمتك هو من يقدّرك، فلا تبقَ بمكان لا يليق بك.

المهمة المستحيلة
في إحدى إطلالاته التلفزيونية قال الرئيس الشهيد رفيق الحريري: “ما ضل حدا بالبلد ما بل إيدو برفيق الحريري”، اليوم وبعد سنوات طويلة على هذه المقولة تعود إلى الواجهة من جديد لكن بوصلتها تحوّلت نحو “سعد رفيق الحريري”، كبار القوم وصغارهم، السياسيون والإعلاميون، والرماة الحفاة العراة، دينهم وديدنهم “السعد” الذي ترك غيابه عن المشهد العام “فراغًا” أشبه بـ “المهمة المستحيلة” على أيٍّ كان أن يملؤه .

منذ أن علّق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي و “شلّة الأنس” تلاحق أخباره وتزيد “تلفيقًا”، والفحوى الأساسية والمادة الدسمة دائمًا، لاعودة للحريرية الوطنية إلى الساحة اللبنانية، الحريري يستعد لإقفال بيت الوسط نهائيًا، الحريري لايريد أن يسمع حديثًا عن أي تفاصيل تتعلق بلبنان، الحريري فعل كذا وسيفعل كذا ويراهن على كذا، حتى بلغ الأمر بهذه “الشلة” أن اعتبرت الرئيس سعد الحريري “وديعة” حزب الله .

ورغم الكمّ الهائل من التلفيقات والشائعات والخبريات التي تشبه “أحاديث التنور” والتي “تتبخّر” دائمًا لهشاشتها كهشاشة مطلقيها ومروّجيها، ظلّ الرئيس الحريري على أسلوبه المترفّع عن هذه الهرطقات والموبقات السياسية، كأنه في قرارة نفسه يؤمن أن موقعه ثابت وراسخ حيث قيمته محفوظة ومصانة بأشفار العيون، لأنه وضع نفسه “أمانة” غالية لا تُقدّر بثمن عند أهله وناسه ..

القرار ليس قراره
سعد الحريري لم يعد يملكُ نفسه، فهو أصبح في وجدان الناس وقلوبهم، فكيف بوسعه أن يترك بقرار لا يملكه؟، فهذا الرجل أحبّه الله فحبّب الناس فيه، رصيده الشعبي ما زال متفوقًا على الجميع رغم الطعنات الكثيرة التي تلقاها من المقربين منه ومن الأبعدين، ورغم الحملات التي شُنّت وتُشن عليه من داخل بيئته، ورغم خروج المتطفلين سياسيًا وإعلاميًا واجتماعيًا كالفطريات لمهاجمته، ظل على روحيته وعلى نقاء سريرته، متمثلا بقول رسول الله عليه الصلاة والسلام يوم خرج من الطائف “اللهم إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي” ..

هي “استراحة محارب” أرادها لبلسمة الجراح الكثيرة التي مُني بها جراء خيبات الأمل فيمن اعتقد أنهم أهلٌ للثقة، وهو نأي بالنفس عن الصغائر التي ترفّع بإباءٍ باهر عنها أسوة بـ “النسر” الذي نأى بنفسه في أعالي القمم ليرمم ريشه وعافيته كي يعود للتحلق من جديد، وطالما إيمانه بأهله وناسه لا يتزحزح قيد أنملة، وأن قرار أهله هو ما سيفعله، فلا ضير من أن تتمّ عملية “الشفاء” كما هو مرسوم لها و “كل شي بوقتو حلو” ..

ومع اقتراب الاستحقاق النيابي بدأت “عدة الشغل” في عملها المعتاد، وبدأت بـ “ضخ الأكاذيب”، فهي تعلم يقينًا أن وجود سعد الحريري وتياره في قلب الاستحقاق يعني أن المعادلة القائمة حاليًا ستتعرّض للنسف، وأن الشارع الذي ظل إلى جانب “سعده” على المرّة قبل الحلوة، لن يقبل بأيّ صورة أن يتخلّى عن قائده، حتى لو كان هذا القرار ذاتيًا .

لابديل عن الأصيل
منذ أن علّق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي التقليدي، لم تنفكّ محاولات جهات سياسية معروفة لوراثة قاعدته الشعبية الممتدة على مساحة الوطن، ليس الهدف من هذه المحاولة تحصين هذه القاعدة أو تلبية لحقوقها، بل لأنهم يرون فيها “رافعة” كبرى تُسهم بشكل فعّال في تحصين مواقعهم وزيادة أعدادها، لذلك تُحاول اليوم مجدّدًا الإيحاء لهذه القاعدة بأن قائدها لن يعود وعليكم أن تبحثوا مليًا عن قيادة جديدة تضعكم في قلب المعادلة .

المشكلة لدى هذه الجهات أنها تتجاهل أو تتعمّد التجاهل أن العلاقة بين سعد الحريري وجمهوره ليست علاقة مصالح أو ارتباطات ذات منافع، هي علاقة “متماهية” بشكل عميق وغير قابلة للفصل، وأن فكرة “البديل” ليست موجودة في قاموسها، وهي أبعد من أن تكون محصورة بأن “السعد” هو الوريث الشرعي والمنطقي لنهج الرفيق الشهيد، وإلا لنجحت مع “وريث” آخر، إنها علاقة وجودية نشأت في ظلّ مناخات داخلية وإقليمية هائلة، لم يؤثر عليها غياب قسري من هنا أو محاولة تغييب من هناك، بل استمرت ولاتزال لأنها وجدانية وصادقة وثابتة وواضحة .

ولأن سعد الحريري هو “الأصل” تسقط محاولات إيجاد “البديل”، ولأنه لم يعد ملكًا لذاته لم يعد قراره كذلك، قد يغيب وقد ينأى وقد يبتعد، لكن موقعه لدى قواعده راسخ رسوخ الجبال، لذلك فإن البحث عن وسائل تجعل من بوصلة هذه القواعد تتجه نحو “قِبلة” أخرى مصيره الفشل الذريع، وفي تجربة الـ 2022 خيرُ مثال، فالكلمة الفصل لدى جمهور السعد، بالأمس واليوم وغدًا “روحوا خيطوا بغير مسلة” ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: