
بقلم جوزاف وهبه
بين تعيين الوزير السابق (حزب الله) علي حميّة مستشاراً لشؤون الإعمار في القصر الجمهوري..وبين استقبال الممثل القدير “أبو سليم” من قِبل رئيس الجمهورية جوزاف عون “خيط رفيع” بات يزلزل صورة العهد الجديد، حيث تطغى من جهة طفرة الإستقبالات غير الوازنة والمبرّرة، ومن جهة ثانية تطغى مهادنة حزب الله بطريقة غير مفهومة تناقص الحزم الذي يفترض أن يتحلّى به الرئيس عون في مواجهة المعضلة الكبرى التي لا تهدّد فقط الطائفة الشيعيّة، وإنّما تهدّد مصير البلد برمّته، كما حصل مؤخّراً في “ليلة العدوان الواسع” على الضاحية الجنوبية، والذي تسبّب بدمار هائل، وبتهجير مزيد من اللبنانيين من بيوتهم وأشغالهم:
ماذا يفعل رئيس الجمهورية؟
في عزّ المواجهة المفتوحة بين سلاح الحزب (والسلاح الفلسطيني) وبين ما صرّح به رئيس الحكومة نواف سلام، مشدّداً على ضرورة سحب كلّ سلاح خارج الدولة، وعلى نهاية عصر الهيمنة الإيرانية على القرار اللبناني، تأتي خطوات الرئيس عون وكأنّها في خطّ معاكس لرئيس الحكومة، ما يجعل موقف هذا الأخير مكشوفاً، ويجعله وحيداً في ساحة المواجهة التي لا تكتمل عناصر قوّتها دون وحدة الموقفين في قصر بعبدا والسراي الحكومي، ووحدة في التعامل الرسمي مع السلاح كخطر يجب إزالته بأقصى سرعة ممكنة، ووحدة في التشدّد الذي وحده يحمي البلاد!
ولعلّ خطوة تعيين حميّة “الغامضة” لا تزال دون أجوبة أو توضيحات يحتاجها الرأي العام اللبناني من رئيس البلاد:
-لماذا تعيين وزير سابق محسوب بالكامل على الحزب في القصر الجمهوري؟ما هي العبرة من إستشارته، وهل سيكون إلى جانب مصالح الدولة أم إلى جانب مطالب وحاجات الثنائي الشيعي؟
-ماذا يعني أن يكون مستشاراً لشؤون الإعمار؟ هل ذلك يسهّل أم يعرقل تدفّق أموال العرب والغرب لإعمار ما تهدّم؟ وهل سيكون له دور في التصرّف بالأموال (إذا ما أتت..) في تكرار لإعمار 2006 برعاية “جهاد البناء” ما حوّل الضاحية والجنوب إلى أنفاق ومستودعات ومصانع لكلّ أنواع الأسلحة الثقيلة والصواريخ والطائرات المسيّرة، ما يعرّضها راهناً للقصف الإسرائيلي المدمّر؟
ولعلّ التراخي الظاهر في مواقف رئاسة الجمهورية إنّما بات ينعكس “شرَهاً” في سلوكيات رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، وخاصّة في موضوع التعيينات الإدارية والقضائية والدبلوماسية:
في موضوع نهاية خدمة المدّعي العام المالي القاضي علي ابراهيم، لم يتورّع الرئيس برّي في المطالبة باستقالة وزير العدل عادل نصّار إذا ما أصرّ على رفضه لتعيين “الرجل” المحسوب على الثنائي (القاضي زاهر حمادة) في هذا المركز الحسّاس.وقد تبلّغ ذلك العماد عون مباشرةً من الرئيس برّي في آخر لقاء لهما في بعبدا:فهل كان ليجرؤ برّي على ذلك لو لم يكن يعرف “دالّيته” على سيّد القصر؟ أوليس الحرص على خاطر جميع الطوائف اللبنانية يعني الإطاحة بمعايير التعيينات التي يُفترض بها أن تأتي بالأكفأ ، وليس بالأقرب إلى رأس هذه الطائفة أو تلك؟ أوليس مجرّد تسرّب هذه “الأخبار” إلى العلن إنّما يؤدّي إلى خيبة الأمل بالإصلاح، وإلى فقدان ثقة المجتمع الدولي بقيام دولة العدالة والنزاهة ومحاربة الفساد والفاسدين؟
ما تحاول أن تفعله الدولة اللبنانية، من تحايل على المطالبات الدولية وعلى شروط صندوق النقد الدولي، تحت حجّة السلم الأهلي ودقّة التوازنات الداخلية، إنّما بات يتحوّل تدريجيّاً إلى “وحش” يفترس الأخضر واليابس في السياسة والأمن والإقتصاد، وبات يأكل من “صحن العهد” الذي بدا في الآونة الأخيرة عِرضة لكلّ أنواع الإنتقادات والتهكّمات، ما يجعله يراكم في إحصاء الخسائر بدل أن يراكم في تعداد الإنجازات التي لم تتعدَّ حتى الساعة بعض القوانين المهمّة دون شكّ، ولكن غير الكافية بالتأكيد!
إنّ بياني رئيس الجمهورية الأخير حول الإعتداء الإسرائيلي الواسع على الضاحية الجنوبية، إنّما جاء من دفاتر لغة قديمة خشبيّة لا تقدّم ولا تؤخّر، وهي أقرب إلى تغطية تعنّت حزب الله ومعاندته للموازين الجديدة، بدل أن يكون أداة ضغط على ممارساته، بما يجعل لبنان ينخرط في عصر الشرق الأوسط الجديد، لا أن يبقى محميّة خلفيّة للعبة طهران على الحافة السياسية والعسكرية مع الولايات الأميركية المتحدة.
“العهد” ينزلق، ما يجعل لبنان يخسر فرصته الأخيرة، فيما يتقدّم الرئيس السوري أحمد الشرع ليحلّ “أوّلاً” على طاولة الإستثمارات والخروج من نفق الممانعة المُظلِم والمدمِّر:فهل نعي قبل أن يفوت الأوان، وهل تُنقذ الدولة الطائفة الشيعيّة من قبضة حزب الله، قبل أن يتحوّل كلّ لبنان إلى “ضاحية” تتلقّى الدمار والتهجير بما يُسمّى “صبر استراتيجي” يصبّ أوّلاً وأخيراً في حساب المفاوضات الأميركية – الإيرانيّة، ليس إلّا؟