“الإعلاميات” في الانتخابات البلدية 2025: بين كسر الحواجز ومواجهة التحديات

بقلم هدى فليطي

“السياسة حكرٌ على الرجال”… عبارة طالما ترددت في المجالس والصالونات السياسية والمجتمعية، لكنها بدأت تفقد زخمها تدريجيًا مع كل استحقاق نيابي أو بلدي جديد، حيث تزداد مشاركة النساء في الشأن العام، ليس كأصوات انتخابية فحسب، بل كصانعات للقرار.

لم تكن الانتخابات البلدية لعام 2025 مجرد استحقاق روتيني، بل شكّلت محطة مفصلية في مسار انخراط النساء اللبنانيات في العمل البلدي، حيث قرّرن خوض غمار المنافسة السياسية، متحديات الأعراف الاجتماعية والموروثات الذكورية، ورافضات اقتصار دور المرأة على الهامش.
فرغم أن القانون اللبناني يساوي بين الرجل والمرأة في الترشّح والاقتراع، إلا أن نسبة تمثيل النساء في المجالس البلدية بقيت خجولة في دورات سابقة.
ومع ذلك، جاءت أرقام هذه الدورة لتُحدث بعض المفاجآت، خصوصاً في محافظات شهدت اختراقًا نسائيًا لافتًا، وإن بقيت بعض المناطق رازحة تحت قيود العادات والتقاليد.

من هذا المشهد العام، تبرز تجارب ثلاث إعلاميات لبنانيات قرّرن أن يكنّ جزءًا من التغيير، ونجحن في خوض هذا الاستحقاق بجرأة ومهنية: أسماء وهبة، إليز مرهج، و ريمان ضو.

أسماء وهبة: من الصحافة الإستقصائية إلى العمل البلدي على حدود النار

في بلدة كفرحمام الجنوبية، حيث الحرب تركت ندوبها، وجدت الصحافية أسماء وهبة نفسها أمام نداء لا يُردّ، وتقول في حديث خاص ل “ديموقراطيا نيوز”، إن ترشيحها جاء بدافع “الواجب” تجاه بلدة مدمّرة، استجابة لدعوة رئيس البلدية الحالي الدكتور معضاد رحال، الذي وضع أمامها واقع البلدة المتأزم بعد الحرب.

تتابع وهبة: “وافقت بدون تردد بعد أن لاقيت دعماً شعبيّاً كبيراً خاصة أن والدي الراحل محمد وهبي، سبق أن خاض التجربة نفسها، بإحتضان شعبي كبير”.

و تؤكد أن خلفيتها الإعلامية، و خصوصًا في الصحافة الاستقصائية والإنتاج التلفزيوني، كانت عاملًا حاسمًا في نجاحها، إذ ساعدتها في تسويق برنامجها الانتخابي عبر وسائل التواصل، وتواصلها الفعّال مع الأهالي، رغم غياب أي دعم حزبي أو رسمي.

و ترى وهبة أن دخولها المجلس البلدي لم يكن مجرد “مقعد إضافي”، بل فرصة لاستثمار أدواتها الإعلامية وخبراتها الميدانية في خدمة القرية،
موضحةً أن أولوياتها التي ستعمل عليها مع مجلسها البلدي في الدرجة الأولى إزالة الركام، إعادة الإعمار، إعادة الأهالي الذين فقدوا منازلهم، تأمين المياه، حلّ أزمة النفايات، واستعادة نبض الحياة، في بلدة لا تزال فيها رائحة الموت تفوح في كل مكان، ومشاهد الدمار تسيطر على كل معالم البلدة.

إليز مرهج: من “جبيل أحلى” إلى إعلامية في المجلس البلدي.

حملت الإعلامية إليز مرهج مشروعها الانتخابي كتتمة لمسيرة بدأتها منذ العام 2010، ضمن الفريق الإعلامي للنائب زياد الحواط، تجربة تقول عنها إنها لم تكن جديدة، بل امتداد طبيعي لمشروع إنمائي عنوانه “جبيل أحلى”.

وتقول في حديثها الخاص ل “ديموقراطيا نيوز” :قراري بالترشح حظي بدعم واسع من أهل المدينة، ترجمه عدد كبير من الأصوات في صناديق الاقتراع مؤكدةً أن هذا “تعبيرًا صادقًا عن ثقة الناس بها”.
و بالنسبة للوسط الإعلامي تؤكد أن دعم الزملاء، لا سيما في الحملات الترويجية والتغطيات، شكّل عنصرًا أساسيًا في تعزيز حضورها.

و تعتبر مرهج أن الإعلام ليس مجرد خلفية مهنية، بل أداة لمواكبة العمل البلدي وتفعيله، إذ لا قيمة لأي إنجاز ما لم يُسلّط عليه الضوء، ما يعزّز الشفافية والمساءلة.

وتشدد على أن أولوياتها واضحة: وتجلى ذلك من خلال البرنامج الإنتخابي لبلدية جبيل موضحةً أن عملهم بدأ بزخم من خلال أول تعميم اتخذ في ما يخص شاطئ جبيل، وتحويله إلى مساحة نظيفة و آمنة، معتبرةً أن جبيل المعروفة سياحياً، تحتاج بعض الإضاءات على الملفات الثقافية، تتعلق بتعزيز وجه جبيل الحضاري، وخلق حياة اجتماعية نابضة من خلال مؤتمرات و مهرجانات، و بالتالي هذا الجزء هو من أولوياتها.

ريمان ضو: ترشّح احتجاجي يتحوّل إلى مشروع تغيير

في قرية لبنانية أخرى، اختارت الإعلامية ريمان ضو أن تنتقل من دور “الراصدة” إلى “الفاعلة” وتقول في حديثها الخاص ل “ديموقراطيا نيوز”:” قراري بالترشح جاء كخطوة تهدف أولاً إلى فتح باب التغيير وثانياً كنوع من الاستفتاء على أداء الجلس البلدي الحالي”، مؤكدةً أن الناس مستعدون للتغيير ولكنهم بحاجة إلى من يخطو الخطوة الأولى.

و تضيف ضو أنها قررت أن تترشح منفردة، في مواجهة لائحة كاملةً، عندما شعرت أن التمديد المحتمل للمجالس البلدية دون استشارة الناس، يُشكّل تعديًا على الإرادة الشعبية.

و تؤكد أنه وبالرغم من غياب الماكينة الانتخابية التقليدية، حصدت دعمًا واسعًا، لا سيما من فئة الشباب، الذين رأوا في ترشحها فرصة لإحداث فرق، مشددةً على أهمية المساندة التي قدمت لها من زملائها في الإعلام من خلال تغطيات و مواكبة، مما منح حملتها صدقية و دفعة معنوية.

ضو تشير إلى أن خبرتها الإعلامية كانت بمثابة “بطاقة مرور”، خاصةً وأن لديها شبكة علاقات، اطلاع على تجارب ناجحة، وإمكانية خلق شراكات مع المجتمع المدني، معتبرةً أن ترشحها لم يكن مجرد خطوة انتخابية، بل بداية لمسار جديد عنوانه: “التغيير، يبدأ بخطوة”

اذاً، وبالرغم من كل التحديات التي تتعرض لها النساء، أثبتت الانتخابات البلدية هذا العام أن حضور المرأة بدأ يفرض نفسه، وخاصة صاحبة القلم والصوت الإعلامي، فكل من أسماء وهبة، إليز مرهج، وريمان ضو، جسّدن نموذجًا جديدًا للمرأة الفاعلة، التي أرادت تحويل منصتها الإعلامية إلى منبر عمل وإنماء.

و قد لا تكون الخطوات سريعة، لكن الأصوات النسائية التي كسرت الصمت لن تعود إلى الوراء، وما كان يعتبر استثناءً، بدأ يتحول إلى مشهد مألوف… ولو كانت الخطوات بطيئة…
و من خلال الاستحقاق البلدي 2025 توصلنا إلى أن المجالس البلدية ليست حكرًا على أحد، وأن مشاركة النساء، لا سيما الإعلاميات، تضيف بُعدًا جديدًا للحكم المحلي… بُعدًا يقوم على الشفافية، والتواصل، والمساءلة، وقبل كل شيء: الإيمان بقدرة الناس على التغيير..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: