
رغم الاعتقاد السائد بأن إدارة دونالد ترامب كانت قد همّشت الملف اللبناني، إلا أن الوقائع تشير إلى العكس. فالبيت الأبيض لا يزال يدرج لبنان ضمن أولوياته الإقليمية، وإن كان تركيزه الرئيسي منصباً حالياً على سوريا وإيران. سياسة “الضغط الأقصى” الأميركية مستمرة على لبنان، بهدف واضح: نزع سلاح “حزب الله”، ودمجه ضمن سيادة الدولة اللبنانية.
خلال جولاتها إلى بيروت، حملت نائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس رسائل حادة، مؤكدة أن أي مساعدات دولية مشروطة بإنهاء دور “القرض الحسن” ونزع السلاح الثقيل والدقيق لـ”حزب الله”، خصوصاً شمال الليطاني.
وفي خطوة لافتة، جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الرئيس اللبناني جوزاف عون والموفد الأميركي مسعد بولس في اجتماع غير معلن في القاهرة، بهدف شرح تعقيدات الوضع اللبناني وطلب التروّي. لكن بولس لم يُبدِ تفهّماً كافياً، وأكد أن واشنطن ترى في استمرار تهريب السلاح دليلاً على مماطلة الحزب في تسليم سلاحه.
رفض أميركي سعودي للفصل بين الإصلاح والسلاح
خلال الاجتماع الثلاثي في باريس (فرنسا – أميركا – السعودية)، رفضت واشنطن والرياض فصل مساري الإصلاحات الاقتصادية ومعالجة سلاح الحزب، معتبرتين أن المساعدات مشروطة بكلا المسارين معاً.
الاستهدافات الإسرائيلية مستمرة… و”واشنطن متفهمة”
واشنطن، خلافاً لبعض الانطباعات، لا تمانع استهدافات إسرائيل الجوية في لبنان، بل تتفهّم منطقها الأمني. وتُرجّح استمرار هذا النهج، خاصة في المناطق التي تُستخدم كممرات لنقل السلاح، كمنطقة البقاع.
الحذر الأميركي: لا انهيار داخلي ولكن لا دعم بلا شروط
لبنان لا يزال “ساحة ضعيفة” للنفوذ الإيراني، ولكن الإدارة الأميركية ترفض انهياره أو انزلاقه إلى الفوضى، وتدفع باتجاه معالجة تدريجية لملف “حزب الله” دون التهور، مع شرط إظهار “خطوة جادة” بحلول نهاية الصيف.
تحولات إدارية لا تغيّر جوهر السياسة الأميركية
استبعاد أورتاغوس عن الملف اللبناني جاء لأسباب داخلية أميركية ولا يعكس تحولاً في السياسات. أما السفير الأميركي المنتظر في بيروت، ميشال عيسى، فما زال ينتظر جلسة استماع وموافقة الكونغرس. في هذا الوقت، يتحضّر الموفدان بولس وتوم براك (المعني بسوريا) لجولة محتملة إلى لبنان، لبحث الملفات الأمنية والاقتصادية والحدودية.
المنطقة على حافة مواجهة… وترامب تحت الضغط
في الخلفية، تتصاعد التهديدات باحتمال عمل عسكري ضد إيران، في حال فشل المسار النووي. وتتقاطع وجهات النظر الأميركية والإسرائيلية حول ازدياد الشكوك في نوايا طهران. وفي هذا السياق، يُستخدم لبنان كورقة ضغط، وقد يكون ساحة محتملة لأي تدحرج أمني.
خلاصة:
الولايات المتحدة لن تدعم لبنان اقتصادياً قبل التزام واضح بإصلاحات جذرية ونزع سلاح “حزب الله”. ومع تسارع التوترات الإقليمية، بات يُنظر إلى لبنان كـ”ساحة اختبار” لمدى جدية الدولة في استعادة سيادتها. الأجواء في واشنطن غير متفائلة، لكن الباب لم يُغلق بعد، بشرط استغلال “فرصة الصيف” قبل أن يُقلب الطاولة
المصدر:جوني منير- الجمهورية