
بقلم جوزاف وهبه
بأقلّ من 7 دقائق ونص، قضت المنظومة الأمنية – العسكرية الإسرائيلية على معظم قيادات الصفّ الأوّل في الجيش والحرس الثوري الإيرانيين.وبأقلّ من 7 أيّام ونص، أحكم سلاح الجوّ الإسرائيلي السيطرة الكاملة على سماء العاصمة طهران، ما حوّلها (كما بيروت ودمشق وغزّة وصنعاء، أيّ العواصم العربية الأربعة التي ادّعى قادة الحرس الثوري – ذات يوم – أنّها تقع تحت سيطرة جيش المهدي) إلى ساحة مباحة للإغتيالات (كما في صنعاء، حيث اغتيل رئيس الأركان الحوثي محمد الغماري)، ولكافة أشكال الهدم والتدمير (كما في الضاحية الجنوبيّة حيث سوّيت مؤخّرا بالأرض 8 بنايات في ليلة واحدة)، وهو ما بات يصيب – في المشهد الراهن – وزارة الدفاع الإيرانية ومصافي النفط والغاز وباقي المنشآت والمؤسسات..كما أصبح – عمليّاً – جميع رؤوس نظام الملالي (بمّن فيهم الإمام الخامنئي) تحت مرمى توقيت القرار السياسي الذي تقتضيه التطوّرات الميدانيّة، بالإشتراك الأكيد مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لم يتأخّر في وصف “13 حزيران” باليوم العظيم، في إشارة إلى ما أنجزه التفوّق الاستراتيجي الإستخباراتي والتكنولوجي والعسكري الإسرائيلي على “العدّة القديمة” التي لا يزال نظام طهران يحكم بها شعبه المنهك، وشعوب العواصم المغلوب على أمرها أو المسلوبة إرادتها ووعيها باسم أوهام دينيّة تبدأ بالنصر الإلهي الآتي ولا بدّ..ولا تنتهي عند الظهور المنتظر للإمام المهدي!
لقد وقعت الحرب الفاصلة الكبرى، بعد أن تتالى سقوط ساحات الدفاع الأولى عن النظام في إيران:غزّة احترقت بأكثر من 50 ألف شهيد وباتت “حماس” مجموعات مقاتلة مطاردَة.بغداد نجت بنفسها حتّى الساعة في حياد معقّد.بيروت إستسلمت بعد حرب إسناد غير متكافئة ووحدة ساحات من طرف واحد. دمشق سقطت بفعل امتداد ثورة شعبية طويلة دفع ثمنها الشعب السوري غالياً في القتل والتهجير الجماعي..وصنعاء باتت أسيرة بضعة صواريخ يطلقها عبد الملك الحوثي بانتظار أن يحين أجله المحتوم، كما بدا محتوماً مصير حسن نصرالله في أنفاق الضاحية، ومصير يحي ومحمد السنوار تحت ركام رفح وخان يونس، ومصير اسماعيل هنيّة في حاضنة الحرس الثوري في قلب طهران!
هل نفرح، هل نحزن، أو نكتفي بالتفرّج؟
قبل الدخول في تعقيدات المشاعر، لا بدّ من التساؤل المرير:لماذا تأخّرت طهران في الدفاع عن غزّة قبل أن تشتعل، وعن حزب الله قبل أن تُزال قياداته من الوجود، وعن بشّار الأسد قبل أن يتحوّل إلى “لاجئ ثقيل” في موسكو، وعن الحوثيين قبل أن تشلّ قواهم ضربات الجيشين الأميركي والبريطاني؟ ما الذي جعل طهران تتفرّج على تساقط أذرعها، الواحد تلوّ الآخر، دون أن تحرّك ساكناً أو صاروخاً واحداً؟ ما فعلته القيادة الإيرانية بحلفائها الخُلّص، ينطبق عليها القول:تبقى وحيداً..وتندم! وها هي اليوم في حالة ندم أكيد وشديد، ولكن لات ساعة مندم!
وبعد هذا التساؤل، لا يمكن لنا أن نفرح:كان من الأجدى لنا وللشعب الإيراني المنتفض مراراً وتكراراً، أن نعيش في ظلّ أنظمة ديمقراطية توفّر الرفاهية، لا توزّع السلاح هنا وهناك في أوهام استعادة الإمبراطورية الفارسيّة.التاريخ لا يُعيد نفسه بسهولة.وما صحّ من مئات السنين، ليس بالضرورة أن يتكرّر في القرن 21.
هل هذا يعني أنّنا حزينون؟ وهنا يأتي تساؤل آخر:ماذا لو انتصرت طهران في آخر حروب الشرق الأوسط؟ هل تستفيد من تجارب الخمسين سنة الماضية، فتتخلّى عن أطماعها التوسّعية، وتترك لشعبها وللشعوب العربية حقّ العيش بأمان وسلام، بعيداً عن الثأر لمقتلة الحسن والحسين منذ أكثر من 1400 سنة؟
لربّما نختار التفرّج بعيون فيها الكثير من الملامة والمحاسبة، مردّدين لِمّن يهمّه الأمر:لطالما أطربتنا أطراف الممانعة بأهازيجها، قيادةً ومنظّرين وأتباعاً، من “أوهى من خيوط العنكبوت” إلى “7 دقائق ونص، كبسة زرّ، الصلاة في القدس، إشارة أصبع..”، عدا سرديّات المئة ألف صاروخ والمئة ألف مقاتل، وتل أبيب مقابل الضاحية، وهدهد واحد وإثنان وثلاثة، وغيرها من علامات التكبّر والنصر الأكيد وطيور الأبابيل، وسيف المهدي المنتظر…فماذا كانت النتيجة، يا سادة، يا كرام..يا “بتوع المقاومة والسلاح المقدّس”!؟