
بقلم خالد صالح
قد يكون ضربًا من الخيال معرفة ما ستؤول إليه الحرب الدائرة بين إيران والعدو الإسرائيلي، ليس السبب هو غموض الغد بالنسبة لها، بل لأنها المواجهة الأولى “حرفيًا” بين الطرفين، مواجهة مترقّبة منذ عقدين وأكثر، نتيجة التقاطعات الاقليمية الكثيرة التي شهدناها منذ سقوط “بغداد” في العام 2003 وحتى اليوم .
حرب “الأصالة” وليس بـ “الوكالة” هو أدقّ مصطلح يُمكن اللجوء إليه لتوصيف هذه الحرب، ورغم ما شهدته المنطقة من تموز الـ 2006 وحتى طوفان الأقصى وحرب الإسناد، ظلت هذه المواجهة رهينة الأخذ والرد، ولم تقع سابقًا لاعتبارات جيوسياسية أدّت إلى تحاشي خوضها لعلم الطرفين أن كلفتها ستكون عالية جدًّا .
لم يخض العدو الاسرائيلي حربًا مفتوحة من قبل ولمدة زمنية طويلة، فهو منذ 7 أكتوبر دخل هذه الحرب غير المسبوقة له وتوسّعت دائرتها نحو لبنان أولًا واليوم تصل إلى إيران، ورغم التفوق الكبير في المقدرات العسكرية ووقوف معظم الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية إلى جانبه، إلا أنه لم يستطع حسم أي معركة حسمًا نهائيًا رغم التدمير الذي خلّفه في غزة وجنوب لبنان واليمن وسوريا واليوم في طهران .
لا حسم ولا انتصار
أكدّت مجريات الحروب الأخيرة أنه ليس بالضرورة من يملك المقدرات والإمكانيات بوسعه الانتصار، قد يدمر وقد يقتل وقد يرتكب مجازر لاسابق في الانسانية لها، لكنه لم يصل بعد إلى المرحلة التي توفّر له الأمان المطلوب أو خطوة في اتجاه السلام المنشود، فالأمن لن يكون وفق رؤيته ولا السلام سيكون وفق شروطه، لذلك يعتبرها “نتنياهو” أنها “حرب وجود” وعليه أن ينتصر بها لرسم معالم جديدة للشرق الأوسط .
لايزال العدو الاسرائيلي أسير مخاوفه رغم ما يمتلك من ترسانة عسكرية ونووية هائلة، لكنه يدرك أنها وسيلة ردع لا أكثر وليست وسيلة حسم، وأن الاعتماد على الأسلحة التقليدية لن يكون حاسمًا، وهذا ما أكدته كل حروبه حتى اللحظة، وأن الرهان على هذا النوع من فائض القوة لن يُخرجها من دائرة الخطر الذي تعتبره خطرًا وجوديًا، نظرًا لفشلها في تطويع المنطقة وإدخالها في بيت الطاعة، وهي محاولة أشبه بمن يجرب إدخال الجمال في ثقب إبرة .
ورغم ما خاضه العدو الاسرائيلي من حروب إلا أنه لم ينجح في بلورة مشروع مغاير لمشروع التوسع القائم عليه، مع العلم صنّاع القرار في العالم والمنطقة قدموا له مشروعًا اعتبر فرصة تاريخية، ليس لإنهاء الحروب منها وعليها فحسب، وإنما لما هو أهم وأعمق من ذلك، التطبيع الكامل مع دول المنطقة مقابل التزامه بمعادلة واحدة لا غير، قبوله بحقّ الشعب الفلسطيني في التخلص من الاحتلال، وإقامة دولته المستقلة على الأراضي التي احتلت في عام 1967، مع حلٍّ متفقٍ عليه لقضية اللاجئين.
تبادل الصاع
بين الغارات الاسرائيلية على إيران وعلى منشآتها العسكرية والنووية، والرد الإيراني الذي فاجأ الجميع نتيجة حجم الدمار الذي حلّ بكبريات المدن، وشكّلت عملية استيعاب الضربة الأولى قلقًا كبيرًا لدى العدو الاسرائيلي، فالحرب لم تنتهِ بعد الضربة الأولى، بل إن حجم الدمار داخل إسرائيل ذهب بنشوة انتصار طائرات الـF15 الأولى لتأتي الفكرة بعد السكرة، وتتركَّز عقول النخب الغربية الحاكمة لتعترفَ بوضوح أنَّه لا حل غير العودة إلى الدبلوماسية وإيقاف الحرب.
لم يعد العدو الاسرائيلي صاحب اليد الطولى في سياق أي حرب يخوضها، فقدراتها العسكرية صارت أقلّ تأثيرًا من ذي قبل رغم فداحة ما تخلّفه من تدمير، بل صار هو أيضًا في مرمى النيران والتدمير، وبالتالي فإن المعادلة السياسية تبقى متقدّمة خصوصًا متى طالت الحرب عما هي حاليًا، وزادت نسبة الضربات الإيرانية تأثيرًا، على قاعدة رد الصاع صاعين، حينها سيجد العدو نفسه مرغمًا على النظر من جديد إلى التقاطعات الإقليمية وإرتداداتها، فهل تستمر الحرب إلى أبعد مما هو متوقع، أم أنها ستكون الحرب الأخيرة ؟ .