زياد شبيب – النهار

 كل ما يعيشه لبنان اليوم ويعانيه من أزمات متراكمة على جميع الصعد الدستورية والاقتصادية والأمنية، ليس سوى نتيجة طبيعية لتولّي الحكم من قبل مروحة من القوى السياسية التي تتناقض في تكوينها وأهدافها مع فكرة الدولة. هذه الفكرة لا يمكن أن تكون قابلة للتحقيق من قبل قوى تقوم على أساس الانتماء غير الوطني وما يستتبعه ذلك من ولاءات خارجية. المرض بنيوي وتكويني وهو لا يكمن في جسم الدولة أو في نصوص الدستور أو في القوانين بل في كون هذه كلها مسيطر عليها ومحكومة من قبل الجماعة الحاكمة بجميع أطيافها التي تطبع الدولة بطابعها وتنقل إليها مرضها.

الانقسام السياسي اللبناني يكون أحيانًا حول الخيارات السياسية ولكن أبعاده الحقيقية طائفية وهو ليس سوى صراعًا مستمرًا على الصدارة والهيمنة من جماعات ذات منطلقات طائفية وإن اتخذت تسميات سياسية شكلية. أما ميادين الصراع فغالبًا ما تكون مواقع السلطة فتتحوّل الدولة إلى أشلاء يتقاتلون عليها وتسقط المحرمات ويتحوّل الدستور إلى وجهات نظر تعبّر عنها تلك القوى على ألسنة حقوقيين ينتمون إليها.

الحقيقة تبقى ضائعة ويغرق بعض المتابعين في تأييد هذه الوجهة أو تلك، أما اللبنانيون الذين عرفوا الحقيقة باكرًا فأغلبهم لا يجد ملجأً حقيقيًا سوى الابتعاد أكثر عن منطق الثنائيات والملاكمات الكلامية الجاهزة دومًا للانتقال إلى الشارع متى احتاج إليها أطرافها.

الفراغ القاتل لن يقتصر على الرئاسة وحاكميّة المصرف المركزي والقيادة العسكرية العليا والأمن العام، بل سيطال مواقع القضاء الأساسية وأبرزها النيابة العامة التمييزية، وهو بطبيعته سيطول ويطال كل شيء لأنه بالأساس فراغ في الفكر والمنطق. هو فراغ مقيم في القوى الحاكمة نفسها ولهذا السبب لم تتمكن تلك القوى مجتمعةً من ملئه يوم كانت تجلس معًا إلى طاولات مجلس الوزراء أو طاولات الحوار أو عندما تجتمع في البرلمان، كما أن أحدًا من تلك القوى لم يتمكن من ملء الفراغ الفكري عن طريق اختراع البديل عن الواقع المنهار يوم صرخ اللبنانيون في الشوارع من الظلم وسوء إدارة الدولة والانهيار المالي، والسبب كان بسيطًا ومنطقيًا وهو أن فاقد الشيء لا يعطيه.

يلقي الجميع باللوم على الجميع وهذا طبيعي لكنه لا ينفي الحقيقة المذكورة. من يستطيع أن يتقدّم بصيغة جديدة بديلة لإدارة الدولة ويتمكن من إقناع شرائح متنوعة من اللبنانيين خارج جماعته الطائفية يكون قادرًا على ملء الفراغ لأنه يكون قد تمكّن من إنهاء فراغه السياسي والتكويني الداخلي الخاص به. وهذا المدخل الإلزامي يصعب وُلوجُه من أي من القوى القائمة، التي تدور وجميع مناصريها يدورون معها في الحلقة المفرغة نفسها إلى أن تظهر طروحات بديلة من قوى بديلة لم تولد بعد.

إلى ذلك الحين لا بد من مناقشة مظاهر الفراغ ومحاولة تخفيف آلامه وعوارضه بالإضاءة على الحقائق القانونية الموضوعية والمجرّدة. الفراغ الذي يهدد القيادة العسكرية العليا لا يمكن تصوّره بالنظر إلى طبيعة المهام الملقاة على عاتق من يتولاها وبالنظر إلى الأحكام القانونية التي تضمنها قانون الدفاع الوطني والتي أراد المشترع منها أن يكون فيها قائدٌ يتولى الصلاحيات الخطيرة وفي طليعتها: قيادة العمليات العسكرية، وقيادة العمليات الامنية عندما يوكل الى الجيش مهام المحافظة على الامن، كما تنص المادة 20 من قانون الدفاع الوطني.

مشكلة موقع قيادة الجيش أنه يُحوّل من يتولاه إلى مرشح طبيعي للرئاسة، رغم المانع الدستوري، والسبب ليس بالضرورة الطموح الشخصي وهو أمر مشروع، بل الصورة النموذجية البديلة التي تقدمها القيادة ويفتقد إليها الطامحون للرئاسة.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top