
كتب النائب ايهاب مطر – جريدة النهار
منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 نعيش في منطقة ملتهبة، بعدما أخرجت مغامرة “طوفان الأقصى” كل شياطين التاريخ من حدود الجغرافيا الإقليمية، التي التبست فيها المبررات والمقومات لاتفاقات أبراهام مع حقائق السلام الغائب في ثنايا المسألة الفلسطينية: حل الدولتين وحق العودة.
نحن شهود على مرحلة تاريخية مفصلية، لا تتكرر كثيرا، بعدما أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العنان للأساطير المؤسسة للدولة اليهودية، متخذا من “التهديد الوجودي” شعارا لشن حروب على كل الجبهات المتشابكة مع حسابات “محور الممانعة”.
منذ “اليوم التالي” للسابع من أكتوبر 2023 نشهد سلسلة حروب متواصلة، دمرت غزة وكادت أن تنهي حركة “حماس”، ودمرت الضاحية الجنوبية والجنوب اللبناني وكادت أن تقضي على “حزب الله”، وأسهمت بفاعلية في إسقاط الأسد عن العرش السوري، وتعاملت بالنار مع “الحوثي”.
انتهى زمن القتال بالوكالة، وبعدما تم مبدئيا تحييد “وكلاء” إيران في المنطقة، بدأ الآن القتال الاشتباكي وجها لوجه، بين إسرائيل وإيران، رغم بعد المسافة بين الدولتين.
إنها ذروة الطوفان، الموقعة الكبرى، وربما الأخيرة، التي من شأنها البناء على أنقاض “النظام الإقليمي” السابق لإقامة نظام جديد لا شك في أن ايران سيبقى لها موقع مؤثر فيه، وفقا لقدراتها وإمكاناتها وثرواتها ضمن “بلاد فارس”.
وفي ضوء التصعيد العسكري بين “العدوين القويين القادرين” فإن أخطر ما يمكن أن يحصل لنا، نحن اللبنانيين، هو أن يكرر “حزب الله” مغامرة الإسناد المشؤومة، فيعيدنا إلى دائرة الاستهداف مجددا.
و بانعدام مقومات مواجهة كل الانعكاسات المحتملة للصراع الإسرائيلي – الايراني، الاقتصادية والمعيشية قبل العسكرية، فإن الجهود يجب أن تنصب على “تحصين الجبهة الداخلية” اللبنانية، فتكون الدولة، برؤسائها ومؤسساتها وخصوصا الجيش، هي الحامية وصاحبة الأمر على الأرض، لتفويت أي فرصة يمكن أن تستغلها “فلول محور الممانعة” لخردقة هذه الجبهة والمجازفة بمصير وطن في مرحلة زلزالية.
وفيما نشهد عبور الصواريخ في سمائنا، فإن علينا الانتباه إلى أننا “شهود” على حرب بين آخرين، ولو أن البعض يحاول اللعب على أوتار مذهبية، أو قومية بالية، بالتهليل للدمار الذي يصيب تل أبيب. يمكن تفهم هذا الأمر والتعامل معه من منطق أن إسرائيل تسببت بالدمار لمدن عربية عدة. نوع من الشماتة، يمكن معادلته بحقيقة ساطعة، هي أن إيران، لو استخدمت من البداية ما تستخدمه الآن لكانت ربما خففت إراقة الدم العربي، لكنها لم تقاتل إلا عندما وصل نصل السكين إلى داخل فارس.
ولعلها الفرصة الاستثنائية لـ”حزب الله” لإثبات لبنانيته وأنه مكون متكامل في النسيج اللبناني، يضع مصلحة البلد فوق كل اعتبار أو ولاء لأي جهة خارجية.
