بقلم جوزاف وهبه

لا يكفّ أطراف هذا المحور من تحقيق الإنتصارات، الواحد تلوَ الآخر، في سلسلة عجائبيّة قلّ نظيرها حتّى في الأديان التي تقوم على سرّ الأعجوبة، أو القدرات التي لا تُعطى سوى للأنبياء، وكأنّ “القدر” قد رمى كلّ ثقله وجبروته في أحضانهم، ليس إلّا!

اليوم، أعلن مجلس الأمن القومي الإيراني “فتح فصل جديد من المعادلة الردعيّة ضدّ المحتلّين”، داعياً الشعب إلى الإحتفال بالنصر الأكيد على الكيان الصهيوني المحتل والشيطان الأميركي الأكبر والغرب المتآمر على “أمننا وأمّتنا وديننا”.اليوم، أعلنت طهران أنّها قد خرجت مرفوعة الرأس من حرب إسرائيل وأميركا على “نظام المرشد الأعلى”..وكأنّ شيئاً لم يتغيّر في ال 12 يوماً الحافلة بالأحداث والمحمّلة بالخسائر، وفي بدئها مصير المفاعل النووية التي دأبت على تحضيرها وتجهيزها وإعدادها (فوق الأرض وتحت الأرض) طوال نصف قرن من الزمن:

ماذا عن الضربة المؤكّدة التي وجّهها الطيران الأميركي الإستراتيجي إلى مواقع فوردو ونظنط وأصفهان؟هل كلّ تقارير الرئيس ترامب ووزير دفاعه وقياداته العسكرية مجرّد “أباطيل” يمكن لهم أن يردّدوها دون أن ينتفض نوّاب الحزب الديمقراطي مثلاً، أو دون أن يكشف زيفها الإعلام الغربي الحر، أو حتّى دون أن تكذّبها القيادات العسكرية نفسها التي لا يمكن لها أن تجاري مسؤولاً ولو بحجم سيّد البيت الأبيض؟

ماذا عن عمليات القتل التي طالت نخبة القيادات العسكرية والأمنية والحرس الثوري، كما طالت – باعتراف الإعلام الإيراني الرسمي – أكثر من 15 عالماً نوويّاً يصعب استبدالهم، كما يُستبدل مدير أو قاضٍ أو ظابط ولو برتبة عالية؟

ماذا عن استباحة “سماء طهران” على مدى 24 ساحة، وهي – رغم وقف الحرب المؤقّت أو الطويل الأمد – قد تحوّلت إلى ما يُشبه “سموات” بيروت وسوريا والعراق واليمن، أي مفتوحة على المراقبة الدائمة، وعلى الإغتيالات اليوميّة المُتاحة كلّما سنحت الفرصة كما في جنوب لبنان الحزين؟

ماذا عن الإنكشاف الأمني – الإستخباراتي الخطير والكبير الذي دلّ على اختراق غير مسبوق لبنية النظام، وهو يشير إلى أمرين:الأوّل، التفوّق التكنولوجي الإسرائيلي.والثاني، إتّساع رقعة الناقمين على الحكم القائم واستعدادهم للتعاون “مع العدو” خلاصاً من الإستبداد الديني والدنيوي والسياسي، وهو ما عبّرت عنه البيانات اليوميّة التي تحدّثت وتتحدّث عن إعتقال المئات بتهمة التخابر مع إسرائيل؟

هل كلّ هذه المعطيات لا تدخل في حسابات الربح والخسارة، عدا احتساب الضربات الموجعة للقواعد العسكرية والمنشآت العلمية في كلّ أنحاء البلاد؟

في الضاحية الجنوبية من بيروت، أيضاً، “موتوسيكلات وتهليلات” بعظمة النظام الإيراني العصيّ على كافة المؤامرات، وذلك تحت “عيون” المسيّرات التي تسوح بين الضاحية والجنوب، مروراً بالبقاع الغالي، تقتل وتقصف وترسم خطوطها الحمر والصفر، وتطبّق (ما تعجز عنه الدولة اللبنانية) من بنود الإتفاق غير المعلن، ومن بنود 1701 المعلن جنوب وشمال الليطاني، وفي عمق الضاحية الجنوبية، وفي عمق عمق جرود بعلبك ووديان الهرمل!

في اليمن السعيد، يحتفل عبد الملك الحوثي بضجيج أقل، ربّما احتراماً لما وصل إليه من إتّفاق مع البوارج الأميركية التي فرضت الأمن والأمان في حركة مرور السفن التجارية عبر البحر الأحمر!
في غزّة، تبارك “حماس” (أو مَن تبقّى منها تحت الأرض) لخروج المرشد الأعلى من مخبأه بعد سلسلة التهديدات بتصفيته..وربّما يعنّ على بال أحد الحماسيين بعض التساؤل، بقليل من الخجل والكثير من الجرأة:أين كانت صواريخكم حين تمّت إبادة أحياء وأهالي خان يونس ورفح والشجاعيّة وغيرها؟ أين كان بأسكم حين تجرّأ محمد السنوار على “طوفان الأقصى”؟ أين وحدة الساحات التي وعدَنا بها قائدكم الراحل قاسم سليماني؟ أين نصرتكم الموعودة لنساء غزّة وأطفالها وشيوخها؟

في سوريّا، النقمة قد تكون أشدّ لدى الرئيس الفار بشّار الأسد:أعطيتكم ما لا يُعطى، دمشق العربية وجامعها الكبير.وباتت ساحات الأمويين مرتعاً للطم والتشيّع وكلّ مظاهر وعادات الفرس عبر التاريخ:فأين كنتم يومَ حلّ أحمد الشرع وجماعاته ضيوفاً على قصر المهاجرين؟ رميتم بي كورقة مهملة، ولولا “الرفاق الروس” لكنت معمّر القذافي رقم إثنين أو في أحسن الأحوال صدّام حسين آخر..ألا أُعتبَر أنا وحكمي ونظامي من خسائركم العتيدة، أم أنّ الدنيا تدور فقط في محيط مهديكم المنتظر، وكلّ ما تبقّى هو “أضرار جانبيّة” لا تُحتسّب؟

قد يكون وحده العراق نجا بشكل أو بآخر، أو أنّه – حتّى الساعة – خرج بأقلّ خسائر ممكنة، حيث لم يخض حرب مساندة، ولا التزم بوحدة الساحات، ولا ربط مصير شعبه ونظامه بما يقرّره السيّد الخامنئي، تاركاً لنفسه فسحة من الحرية تزداد شيئاً فشيئاً، وهو ما يفسّر أنّ طهران قد اختارت “قطر” كأرض تجربة مع الأميركيين ولم تلجأ إلى الحشد الشعبي وما شابه.

“الخلاصة” أنّ إيران تحتفي بانتصارها المزعوم، غير مبالية بكلّ ما أصاب “أذرعها” من تصفيات وهزائم وتداعيات لا تزال تجرّ ذيولها، أقلّها في “درّة التاج”، حزب الله وبيئته الحاضنة، وبكلّ ما أصاب مدنها وبنيتها العسكرية من تدمير..فالمهمّ المهمّ أنّ “المرشد بخير”، وأنّ الرئيس ترامب قد وعد بأن يبقى “النظام بخير”، وهذان “الخيران” هما مصدر كلّ هذه البهجة العارمة وكلّ هذه الأفراح العامرة في ديار الفرس!..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: