لبنان ليس هبة لأحد… والسعودية لا تتخلّى عن نفوذها

بقلم رفيق عبدالله- ديموقراطيا نيوز

في الآونة الأخيرة، انتشرت شائعات تدّعي أن المملكة العربية السعودية تهدّد بتسليم الملف اللبناني إلى سوريا، وتحديدًا إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، وكأن لبنان بات عبئًا على الرياض أو ورقة يمكن التخلي عنها في إطار تفاهمات إقليمية. هذا الادعاء يتجاهل تاريخًا طويلًا من الحضور السعودي في لبنان، كما يفتقر إلى الحدّ الأدنى من المنطق السياسي والواقعية.

منذ منتصف الثمانينات، وتحديدًا مع بروز دور الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اعتبرت السعودية لبنان ساحة استراتيجية في مشروعها العربي، ورافعة لدبلوماسيتها الإقليمية. شاركت في صياغة اتفاق الطائف، وضخّت عبر مؤسساتها الرسمية والقطاع الخاص استثمارات تُقدّر بأكثر من 80 مليار دولار حتى عام 2008، فضلًا عن دعمها السياسي والإنساني والدبلوماسي المستمر. هل يُعقل بعد هذا كله أن تتخلى الرياض عن لبنان، وهي التي باتت اليوم أكثر نفوذًا وثباتًا في الإقليم؟

العلاقة مع سوريا، رغم تحسنها في الآونة الأخيرة، لا تقوم على منطق التفويض أو الهيمنة. صحيح أن الرئيس أحمد الشرع، بدعم من تركيا وقطر، تبنّى مقاربة أكثر براغماتية تجاه السعودية، إلا أن المملكة تلقّت هذا الانفتاح بحذر، واحترام متبادل، من دون أن تمضي بعيدًا في إعطاء أي طرف تفويضًا في الملف اللبناني. العلاقة بين الطرفين لا تُختزل بمعادلة “السعودية تأمر وسوريا تطيع”، بل تحكمها توازنات دقيقة ومصالح متبادلة.

القول بأن السعودية قد تسلّم الملف اللبناني لسوريا، يُهمل أيضًا التركيبة اللبنانية الحساسة. فعودة النفوذ السوري، ولو بصيغة رمزية، ستُعدّ استفزازًا واضحًا للمكوّن المسيحي، الذي لا يزال يحمل ذاكرة مؤلمة من مرحلة الوصاية، كما أنها ستزيد من التوتر الطائفي، ليس فقط في لبنان، بل في سوريا أيضًا، حيث يعيش الشرع هاجس ضبط الأقليات مثل الدروز والأكراد والعلويين. أي تحرك خارجي من هذا النوع سيُفاقم الانقسامات الداخلية السورية، ويهدد الاستقرار الذي يسعى الشرع إلى ترسيخه.

أضف إلى ذلك أن سوريا ليست في موقع يتيح لها تحمل عبء جديد مثل الملف اللبناني. البلاد لا تزال في مرحلة ما بعد الحرب، وتحتاج إلى سنوات من إعادة البناء السياسي والاقتصادي قبل التفكير بالتدخل في ملفات خارجية معقدة كلبنان، الذي بدوره لم يعد يحتمل أي نوع من الوصاية أو السيطرة الخارجية.

لهذه الأسباب مجتمعة، يظهر بوضوح أن الحديث عن نية سعودية لتسليم لبنان إلى سوريا لا يستند إلى أي قراءة جدّية للواقع. السعودية ليست في موقع من يتخلّى عن نفوذه، ولا سوريا تملك القدرة أو المصلحة لتسلّمه، ولبنان ليس أرضًا شاغرة تنتظر من يملأها. إنها إشاعة بلا أساس، تُستخدم فقط لإرباك المشهد أو التهويل السياسي، لكنها تبقى بعيدة كل البعد عن الواقع.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: