بقلم جوزاف وهبه

لم يعد خافياً على أحد أنّ “الساحة السنّية” تشكو من “عجز ما” في القيادة في ظلّ الغياب القسري لأحد أبرز رموزها الرئيس سعد الحريري، الذي ينتظر مؤيّدوه – بفارغ الصبر والقليل من الأمل – ترجمة عبارته الشهيرة “كلّ شي بوقتو حلو..”!
كما لم يعد خافياً أنّ السفير السعودي في بيروت وليد البخاري (وبالطبع بدعم كامل من المملكة) إنّما يحاول أن يملأ هذا الفراغ من خلال زياراته المتكرّرة والمتنوّعة، والتي باتت تطاول أحياناً مواقع ووجوهاً من الصفّ الثاني والثالث..ولكنّ كلّ هذا الحراك يقوم – حتّى الساعة – على ركيزتين أساسيّتين:
-دار الإفتاء، وقد تحوّلت أكثر من مرّة، في المحطّات الفاصلة، إلى ما يشبه “مركز القيادة والتوجيه”، حيث عُقد ويُعقد أكثر من لقاء للنواب والمراجع السنّية برعاية مباشرة من سماحة مفتي الجمهوريّة الدكتور عبد اللطيف دريان.كما شكّلت خطبه ومواقفه الأخيرة “بوصلة سياسيّة” يُبنى عليها القرار السنّي الموحّد.
-موقع رئاسة الحكومة، حيث استطاع – شيئاً فشيئاً – الرئيس الحالي نوّاف سلام أن يُعيد إليه الدور المطلوب، خاصّة بعد صلابة تصريحاته الحادّة والصريحة حول ضرورة وحتميّة “حصر السلاح، بما فيه سلاح حزب الله، بيد الدولة”، والتي قوبلت بحملة تخوين من قبل “الحاضنة الشيعيّة” ما جعله – موضوعيّاً – على سكّة الزعامة (أراد ذلك أو لم يُرد)، وإن كان يتوجّب القول أنّه لا يزال عند أولى درجات السلّم!
ومن خارج هذه الأولويّات والمعطيات، برزت في الآونة الأخيرة جملة محاولات في هذا الإتّجاه، وكأنّها في سباق طبيعي، حيث تمثّلت بما يمكن إطلاق عليها سلوغان “الرئيس، الأفندي..واللواء”.. ولكلّ من هؤلاء “المؤهّلين” له ما له، وعليه ما عليه:
“الرئيس” نجيب ميقاتي يبدو كمن يراجع حساباته بتأنٍّ شديد، بعد خروجه المثير من السراي الكبير. هو يحاول – قدر الإمكان – أن يبقى على وسطيّته، بالرغم من صعوبة ذلك وسط التحوّلات الكبيرة، وفي ظلّ الإصطفافات الفاصلة القائمة: في طرابلس، يمارس الحدّ الأدنى٦ المطلوب من الخدمات والعلاقات ذات الشأن الإنتخابي. وطنيّاً، ينفي مكتبه الإعلامي ما ذُكر عن حديث صحافي له حول “سحب سلاح حزب الله”. وفي بيروت، يشارك (أو يرعى) في لقاء سنّي بدعوة من النائب نبيل بدر، دون أن يصل إلى حدّ إشهار “معارضة” رئيس الحكومة نوّاف سلام!..

“الأفندي” النائب فيصل كرامي يبدو أكثر ديناميّةً وإفصاحاً، ربطاً بحاجته الملحّة للتأكيد على خروجه النهائي من محور الممانعة، وانحيازه إلى توجّهات المملكة العربيّة السعوديّة. من هنا يأتي تكرار مواقفه الداعمة لقرارات الدولة، وخاصّة لجهّة حصر السلاح بالقوى الأمنيّة الشرعيّة، ليس إلّا!

والمملكة قد ثمّنت مواقفه المستجدّة وهو ما يفسّر عناء إنتقال سماحة المفتي دريان من عائشة بكّار إلى بقاعصفرين الضنّية، ما يعكس “الرضى” السعودي على نقلته النوعيّة، دون أن يعني ذلك تعبيد الطريق إلى السراي الكبير في حكومة ما بعد الإستحقاق النيابي القادم. فالرعاية “الدينيّة” لا تُترجم تلقائيّاً في المعادلة السياسيّة التي لا يزال بعيد كل البعد عن وضعه ضمن خياراتها الأولى وهو ما تعلمه المملكة جيدًا !..

الركيزة الثالثة في السعي لبلورة الزعامة السنّية البديلة تتمظهر في ثبات “اللواء” أشرف ريفي على سقف عالٍ من “المواقف السياديّة الراديكاليّة” (“السنّ بالسنّ والعين بالعين، والبادي أظلم” في أحد ردوده على الشيخ نعيم قاسم)، تجاه سلاح الحزب وتجاه مختلف الأوضاع الداخليّة. وهو يتّكئ في تصعيده على “الرقم الإنتخابي الأعلى” في تمثيل العاصمة الثانية، مع ما تعنيه من ثقل سنّي يسمح له بتوازن المبارزة وفعاليّتها، وبالتالي يسمح له بشرعيّة موقعه المتقدّم في ترتيب الطامحين..
طموح لا يمكن للواء ريفي ان يصل اليه في ظل ما حققه من نتائج شعبية في الإنتخابات البلدية الماضية!..

هذا عن “الثلاثي الطرابلسي”، الذي يبقى ميقاتي في مقدمته على مستوى الزعامة السنية المحلية الطرابلسية، وبطبيعة الحال الأقوى على المستوى الوطني.. ولكنّ ذلك لا يُلغي (أو يحجب) حظوظ العودة الثانية للرئيس سلام إلى السراي، خاصّة إذا ما شارك، بشكل من الأشكال، في إستحقاق أيّار 2026.. كما لا يُلغي أسماء بيروتيّة، وفي طليعتها النائب “التقليدي” فؤاد مخزومي، أو حتّى النائب “التغييري” وضّاح الصادق!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top