أزمة في نظام “الجمهورية الخامسة” في فرنسا …بين اليسار واليمين يبقى ماكرون الخاسر الأكبر!

أزمة في نظام “الجمهورية الخامسة” في فرنسا …
بين اليسار واليمين يبقى ماكرون الخاسر الأكبر!

بقلم رنا سلما

استقالة رئيس وزراء فرنسا بعد يوم واحد فقط من تعيينه ليست مجرد تفصيل في الحياة السياسية لأي دولة، فكيف إذا كانت هذه الدولة هي فرنسا، التي طالما قدمت نفسها كنموذج للديمقراطية الأوروبية، تجد نفسها اليوم في قلب عاصفة سياسية غير مسبوقة.

استقالة رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو بعد أقل من 24 ساعة على تعيينه، لم تكن مجرد مفاجأة، بل جرس إنذار يكشف عمق الأزمة التي تضرب جوهر نظام الجمهورية الخامسة.
نظامٌ تأسس على قوة رئيسٍ يستند إلى أغلبية برلمانية، لكنه ينهار اليوم تحت وطأة برلمان منقسم إلى ثلاث كتل كبرى متنافرة، لا أكثرية فيها ولا تحالف ممكن!..

في هذا المشهد المضطرب، وبين اليسار واليمين ، يجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه بلا أدوات حكم فعلية، ولا شريك سياسي قادر على ضمان الاستقرار. فهل ما يحدث أزمة عابرة؟ أم بداية لتآكل الجمهورية الخامسة، ونهاية مرحلة سياسية كاملة في تاريخ فرنسا الحديث؟

تعيين سريع… فاستقالة أسرع

تمّ تعيين رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو مساء الأحد 5 تشرين الأول، في محاولة من الرئيس إيمانويل ماكرون لاحتواء أزمة حكومية مستمرة منذ انتخابات 2024، بعد فشل الحكومات السابقة في كسب ثقة البرلمان. لكن التشكيلة الوزارية التي أعلن عنها لوكورنو ضمّت أسماء من حكومات سابقة سبق أن حُجبت عنها الثقة، ما أثار اعتراضات حادّة داخل البرلمان، ولا سيما من قطبي اليسار واليمين.
ومع تصاعد التهديدات بتقديم مقترحات حجب الثقة، فضّل لوكورنو الانسحاب السريع، في خطوة تعكس حجم الأزمة البنيوية التي يعاني منها النظام السياسي الفرنسي.

في ظل هذا الانقسام لم تعد فرنسا تعاني من صعوبات تشكيل حكومة فقط، بل من عجز بنيوي عن إنتاج سلطة تنفيذية مستقرة. والمقلق أكثر، أن البدائل المتاحة، من حلّ البرلمان إلى تعيين رئيس حكومة جديد تبدو أشبه بمحاولات لكسب الوقت، لا حلولًا حقيقية.
في ظل صراع مستمر بين قطبي اليمين واليسار، يبقى ماكرون الخاسر الأكبر في مشهد سياسي يغلي على وقع الاستقالات، التهديدات بحجب الثقة، والقلق الاقتصادي المتصاعد.

ثلاث بلوكات متساوية تسيطر على البرلمان الفرنسي

منذ انتخابات 2024، يعيش البرلمان الفرنسي حالة من الانقسام ، حيث تسيطر عليه ثلاث بلوكات متساوية:
كتلة الوسط بقيادة إيمانويل ماكرون، كتلة اليمين بزعامة مارين لوبان، كتلة اليسار بقيادة جان لوك ميلانشون.
هذا التوازن الهش يعني عمليًا غياب أي أكثرية قادرة على تمرير القوانين أو دعم حكومة، مع استحالة بناء تحالفات بين هذه الكتل المتنافرة سياسيًا وأيديولوجيًا. ونتيجة لذلك، باتت كل حكومة يتم تعيينها معرضة للسقوط قبل أن تبدأ.

الصحافي والكاتب السياسي تمّام نورالدين: ماكرون لا يستطيع الحكم

عن الأسباب الحقيقية التي دفعت سيباستيان لوكورنو إلى تقديم استقالته بعد أقل من 24 ساعة على تولّي منصب رئاسة الوزراء الفرنسية يقول الصحافي والكاتب السياسي تمّام نورالدين “لم يعد باستطاعة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الحكم، مجلس النواب هو عبارة عن 3 بلوكات تقريباً متساوية ولا يوجد أكثرية مع أي أحد كما لا يوجد أي تحالفات بين هذه البلوكات، وبالنهاية الرئيس ماكرون لديه بلوك واحد ولا يستطيع الحكم”.

يعتبر نورالدين ان “هناك أزمة في نظام الجمهورية الخامسة في فرنسا، الذي يتألف من رئيس للجمهورية، أكثرية ومعارضة في المجلس النيابي، لكن اليوم لا يوجد لا أكثرية ولامعارضة ، أي ان المجلس هو عبارة عن 3 بلوكات مما يثبت عدم فعالية نظام الجمهورية الخامسة بالوضع الحالي”.

أما عن أسباب وجود 3 بلوكات فيقول نورالدين ان “الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أتى من خارج حزبين تقليديين أي اليمين واليسار، ووصل إلى السلطة وتكوّنت حوله كتلة وسطية بين اليمين واليسار ، وبالتالي تعدّ المرّة الأولى التي نرى مثل هذه الحالة التي نمرّ فيها حالياً”.

يرى نورالدين ان “شرعية ماكرون تأتي عبر تمثيله 20% من الشعب الفرنسي حتى لو حصل في الانتخابات الرئاسية الأولى والثانية على أكثر من 50 %، هذا يعدّ نظرياً صحيح، لكن بالحقيقة ان هناك أناس انتخبت ماكرون كي لا يمرّ المرشّح الآخر، كذلك لم ينتخبوه لمشروعه بل “نكاية” بالمرشّّح الآخر. منذ اليوم الأول من حكم ماكرون شهدت فرنسا مظاهرات، ومن بعدها رأينا السترات الصفر ، ماكرون أكثر رئيس جمهورية “مكروه”.

بعد استقالة لوكورنو، يرجّح نورالدين ان يقوم ماكرون بحلّ مجلس النواب بين الأربعاء مساءًا أو الخميس ، وسيكون عمليًا الخاسر الأكبر، بالمقابل الرابح الأكبر ستكون كتلة مارين لوبان وكتلة اليسار، لأن كتلة الرئيس ماكرون ستتقلصّ والمقاعد التي سيخسرها الرئيس ماكرون ستذهب لليمين أي لمارين لوبان واليسار”.

ويؤكّد انه “طالما هنالك رئيس من خارج النادي السياسي التقليدي أي اليمين أو اليسار هناك عدم استقرار سياسي في فرنسا، من ناحية عدم قدرته على الحكم وتشكيل حكومة وستبقى هذه الحالة حتى نهاية حكم الرئيس ماكرون”.

يضيف “البرلمان هو من القوى السياسية ولكنه ليس مؤسسة مستقلة، أي انه لن يكون هناك أزمة ثقة بين البرلمان والسلطة التنفيذية”.

أما عن التأثيرات الداخلية والخارجية فيعتبر نورالدين ان “طبيعة السياسة الخارجية هي قسم مستقل ومن صلاحيات الرئاسة حصراً لكن بطبيعة الحال فرنسا ستضعف مالياً، وقد رأينا خسارة الأسهم الفرنسية، الدين الفرنسي أصبح عاليًا ويوافق فوائد الدين في إيطاليا بسبب عدم الاستقرار”.

أمّا عن حل البرلمان فمن الممكن أن يؤدّي إلى انتخابات تنتج أكثرية واضحة وممكن أن تكون لمارين لوبان، لكن القانون الانتخابي يسمح بتحالفات “مخالفة للطبيعة” لإسقاط بعض مرشحي مارين لوبان وبالتالي تفقد الأكثرية”.

يختم نورالدين “ماكرون قال انه يريد البقاء لآخر عهده، وتم استعمال المصطلح اللبناني انه ” ‘الحَكَم”، أي انه ليس مع أي حزب ضد الآخر … لكن في النهاية موضوع الاستقالة لا يزال موضوع على الطاولة”!..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top