الرئيس الشهيد رفيق الحريري: رجل الدولة الذي حلم بلبنان أفضل في ذكرى ميلاده.. شهادات تستعيد إنجازاته وتؤكد حاجة الوطن إليه

بقلم ندى جوني

شكّل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري نقطة تحوّل مفصلية في تاريخ لبنان الحديث. فبرحيله دخل البلد مرحلة طويلة من الإضطرابات السياسية والأمنية والاقتصادية، بدأت مع الانقسام الحادّ الذي أعقب الاغتيال، مروراً بحرب تموز 2006 وأحداث 7 أيار 2008، وصولاً إلى الانهيار الإقتصادي الذي أصاب مؤسسات الدولة وأفقد اللبنانيين ثقتهم بمستقبلهم، وانتهاءً بالعدوان الأخير على لبنان الذي أعاد مشهد الدمار. تغيّر لبنان كثيراً منذ ذلك اليوم، وتغيّرت معه ملامح الحياة السياسية و الاقتصادية التي كان الحريري أحد أبرز صانعيها.
في ذكرى ميلاده، نستذكر رفيق الحريري ونطرح تساؤلاً أساسياً: ماذا لو ما زال على قيد الحياة، في ظلّ كل هذه التحوّلات الكارثية التي شهدها لبنان على المستويات كافة؟..
في هذا الإطار، أجرى موقع “ديمقراطيا نيوز” لقاءات مع كلّ من النائبين السابقين سامي فتفت و رولا الطبش، الكاتب والصحافي بشارة خيرالله، ورجل الأعمال كميل مراد، للحديث عن إرث الحريري، ورؤيته للبنان، وما الذي تغيّر بعد غيابه؟

سامي فتفت: رفيق الحريري كان يسعى لبناء دولة حقيقية

يشير النائب السابق سامي فتفت في حديثه إلى أنه كان يتمنى لو أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري ما زال بيننا، لأنه اغتيل لهدف واضح، إذ كان يسعى لبناء دولة حقيقية، بينما أرادت بعض الأطراف إبقاء لبنان ساحة مفتوحة للصراعات. ويؤكد فتفت أن الحريري حاول بكل جهده منع انجرار لبنان إلى الحروب، كان هدفه الدائم إنقاذ البلد، وهو ما تجسّد في مشروع إعادة الإعمار الذي قاده بعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990. ويضيف بأن الرئيس الحريري لم يميّز بين الطوائف، بل تحدث بإسم لبنان كله، مستثمراً علاقاته الإقليمية والدولية لخدمة وطنه حتى في أحلك الأزمات ومع العدو الإسرائيلي.
ويختم فتفت بالقول: “نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى شخصية ونهج كالحريري. لم نواكبه كجيل، لكننا عرفنا قيمته بعد اغتياله، ونتمنى من كل المسؤولين أن يتعلموا من مسيرته في بناء لبنان وتعزيز دوره”.

رولا الطبش: رفيق الحريري كان صمّام الأمان للبنان وقادراً على إنقاذه من الأزمات

تؤكد النائبة السابقة رولا الطبش أن البلاد شهدت بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري سلسلة من التحوّلات السريعة والمصيرية، بدأت بثورة الأرز التي أدت إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان وتبدّل خريطة التحالفات الداخلية، مروراً بالحروب المتكررة مع إسرائيل والأزمات الأمنية المتلاحقة. وتشير إلى أن غيابه عمّق الشرخ بين اللبنانيين، وكرّس الانقسامات، فيما تفشّى الفساد في المؤسسات وتراجعت مقوّمات الدولة التي بقي نظامها السياسي قائماً على المحاصصة والمحسوبيات.
وتوضح الطبش أن النموذج الاقتصادي الذي عمل من أجله الحريري تبدّل كلياً بعد رحيله، فهو لم يكن يسعى فقط إلى إعادة بناء الحجر، بل الإنسان أيضاً، واستطاع خلال فترة قيادته أن يعيد لبنان إلى الحضن العربي، ويقيم أفضل العلاقات مع الدول الغربية، ويساهم في جذب رؤوس الأموال والاستثمارات التي أنعشت الاقتصاد اللبناني.
وترى الطبش أن غياب الحريري أطلق كرة ثلج الانهيار التي ما لبثت أن تدحرجت حتى وصلت بالبلد إلى أزماته الحالية، من انهيار الليرة والقطاع المصرفي إلى تراجع الناتج المحلي، وصولاً إلى كارثة انفجار مرفأ بيروت عام 2020 التي كشفت عمق الفساد وفشل الدولة في الرقابة والمحاسبة.
وتضيف أن رحيل زعيم بحجم رفيق الحريري أثّر سلباً على مسار الدولة برمّتها، لأنه كان رجل دولة حقيقياً، يجمع بين الكفاءة الاقتصادية والحضور الشعبي والعلاقات الدولية الواسعة. فهو الزعيم الذي أحبّه اللبنانيون من مختلف الطوائف، والاقتصادي الذي حمى الاقتصاد وحقق في عهده نهضة عمرانية واضحة، والسياسي القادر على حشد دعم عربي ودولي لمصلحة لبنان.
كما وتؤكد الطبش أنه لو كان الحريري بيننا اليوم، لكان تعامل مع الأزمة المالية والاقتصادية بروية وحكمة، مستفيداً من شبكة علاقاته الواسعة مع زعماء العالم لاستقطاب الدعم الدولي، وطرح إصلاحات سريعة لإقناع المانحين واستعادة الثقة.
وتشير إلى أنه كان قادراً على جمع المختلفين في الداخل، والعمل مع القطاع الخاص والمصارف لإيجاد حلول تحفظ النظام المالي وتعيد الثقة بالدولة.
كذلك، تستذكر الطبش عدوان “عناقيد الغضب” عام 1996، عندما جال الحريري على العواصم الدولية وحشد الدعم للبنان، ما أدى إلى وقف الحرب وتوقيع اتفاق نيسان، مؤكدة أن هذه الحنكة السياسية والعلاقات الواسعة كانت ستصب اليوم أيضاً في مصلحة لبنان.
وترى طبش بأن رفيق الحريري كان شخصية جامعة، محبوبة داخلياً وخارجياً، تحظى باحترام الجميع حتى خصومها. كان قائداً شجاعاً، صادقاً، قريباً من الناس، يملك رؤية ومشروعاً واضحين، ويوازن بين المبادئ والمصالح بحكمة وذكاء. ونحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى هذا الرجل الذي كان صمّام الأمان للبنان، القادر على حياكة الحلول وإنقاذ البلد من أزماته.
وختمت طبش حديثها بتوجيه رسالة رمزية للشهيد الرئيس رفيق الحريري قائلة: ” لو كان بإمكاني أن أقول له شيء فسوف أقول: نفتقدك…نفتقد حكمتك ورؤيتك…نفتقد مارداً كنا نشعر معه أننا بأمن وأمان، ونشعر بقيمتنا كمواطنين لنا حقوق وعلينا واجبات…نفتقد حلماً عشناه معك لسنوات…نفتقد الوطن الجميل الذي اخبرتنا عنه وعملت لأجله…نشتاق لبيروت التي تشبهك…في حضرة الغياب يا دولة الرئيس أقول لا ما خلصت الحكاية، رح نكملها “.

بشارة خيرالله: رفيق الحريري حاضر كل يوم بإنجازاته ووحدته للبنانيين

يقول الكاتب والصحفي بشارة خيرالله إن الرئيس الشهيد رفيق الحريري لا يحتاج إلى يوم ميلاده لنتحدث عنه، لأن حضوره في الذاكرة اليومية مستمر بفضل إنجازاته التي لا تُنسى، وقدرته الاستثنائية على إيجاد الحلول في أصعب الأزمات.
ويضيف: “ما أحوجنا اليوم إلى رفيق الحريري، ونحن نعيش خطراً وجودياً لا نعرف إن كنا متجهين إلى انفجار أم انفراج. في مثل هذه الأيام، كان يجول العالم بطائرته بحثاً عن حلول للبنان”.
ويؤكد خيرالله أن الحريري شخصية طبعت تاريخ لبنان الحديث بشكل إيجابي، وأغاظت المحور الذي اغتاله لأنه كان مشروع بناء لا هدم”. هو رجل لكل اللبنانيين، لم يفرّق بينهم يوماً، وحتى عند اغتياله، وحّد دمه اللبنانيين في يوم 14 آذار العظيم”.يقول خيرالله، مشيراً إلى أن ذكرى ميلاده ليست مناسبة عابرة، لأن حضوره في الوجدان الوطني ثابت على مدار العام.

كميل مراد: رفيق الحريري كان يملك الحكمة، وغيابه سرّع الإنهيار الإقتصادي

يؤكد رجل الأعمال كميل مراد في حديثه قائلاً، أن الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يكن ساحراً، لكنه كان يتمتع بقدر عالٍ من الحنكة والحكمة التي استخدمها في بناء لبنان وإيجاد الحلول المناسبة لأزماته. ويشير إلى أن الحريري عمل جاهداً على تنشيط الاقتصاد وتحريك عجلة النمو، وأن غيابه ترك فراغاً كبيراً أدى لاحقاً إلى انهيار المؤسسات الاقتصادية، وهو ما نشهده اليوم. ويضيف مراد: “ما وصلنا إليه لم يكن مفاجئاً بالنسبة إليّ، فبعد اغتياله بدأت الضغوط تتزايد على الشعب نتيجة الفساد وسوء الإدارة من قبل السياسيين الذين شاركوا في تقويض الدولة.”
و يشدد على أنه، لو كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري موجوداً بيننا اليوم، لكان واجه مصيراً أكثر قسوة، وربما قُتل مئة مرة، لأنه كان في الواجهة، يواجه الفساد بشجاعة، ويسعى لبناء دولة حقيقية في زمن لا يريد كثيرون فيها قيام الدولة.
ويختم حديثه في توجيه رسالة رمزية لرفيق الحريري في ذكرى ميلاده قائلاً: ” كنتَ سياسياً استثنائياً، فتحتَ الطرق السياسية اللبنانية الملغّمة، وعمّرتَ وعلّمتَ، فقتلوك لأنك أخفتهم. زمانك يا دولة الرئيس غير زماننا، فقد حملتَ القضايا كلّها، وكنتَ تمشي كجبلٍ أخضر اسمه لبنان العربي. نم في عُلاك بجنّة النعيم الإلهي، ونحن ما زلنا نتخبّط في بلوانا. من القلب أقولها، وأنا متأكد بأنك تبارك ذلك…ما زالت “مملكة الخير” تحتضن لبنان بعناية ومحبة “.

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top