التربية قضية وليست مهنة

بقلم محمد حندوش

على مدخل كلية بإحدى الجامعات وضع أحد الأساتذة رسالةً معبرة لطلابه في مرحلة الليسانس والماجستير والدكتوراة جاء فيها
تدمير أي أمة أو مجتمع لا يحتاج الى قنابل أو صواريخ بعيدة المدى، بل يحتاج الى تخفيض نوعية التعليم، والسماح للطلبة بالغش،فيموت المريض على يد طبيب نجح بالغش، وتنهار البيوت على يد مهندس نحح بالغش، ونخسر الأموال على يد محاسب نجح بالغش، ويموت الدين على يد شيخ نجح بالغش، ويضيع العدل على يد قاض نجح بالغش، ويتفشى الجهل بالأبناء على يد معلم نجح بالغش”.

ولعل أسوأ خيانة يمكن أن نرتكبها في حق أجيالنا، تخفيض مستوى التعليم، والتساهل في صناعة أجيال على مستوى العصر تستطيع مواكبة الحياة في شتى الميادين، بدءاً من العناية بقراءة المناهج الدراسية وإعادة صياغتها على نحوٍ يجعلها صالحةً لتمكين الدارسين من الإلمام بشتى المواضيع، وتضمينها إلى جانب الإطار النظري النواحي العملية والتدريبية وحتى السلوكية، مروراً بجعل المدرس قدوةً عملية لطلابه وانتهاءً بمعالجة سلوكيات الدارسين وفق ما يتماشى مع قدراتهم ومواهبهم.

من هنا تبدو الحاجة ملحّة أكثر من أي وقتٍ مضى إلى إيلاء موضوع القيم الاهتمام اللازم، حتى لا يتحوّل الإنسان إلى روبوت يؤدي دوره دون مشاعر، ويقوم بمهنته بشكل مادي،

فالطبيب الذي لا يشارك مريضه المعاناة لن يستطيع أن يحدث فارقاً من مهنة الطب،

والمهندس الذي لا يراعي سلامة الأفراد ومتانة المباني يتحول إلى جزار على المدى البعيد،

والمحامي الذي يجعل نصب اهتمامه على حجم مكاسبه بعيدًا عن صوابية قضيته، ولا يفرّق بين الظالم والمظلوم يتحوّل إلى عبءٍ على العدالة،

ورجل الأعمال الذي لا يعنيه سوى زيادة ثرواته ولو على حساب الفقراء، وعلى حساب الشأن العام، يشارك في هدم الاقتصاد وتعميق معاناة الطبقة الكادحة،

والسياسي الذي يبتغي من دراسته الوصول إلى السلطة بكل الطرق لإرضاء نشوة الغرور لديه، غير آبهٍ بمصلحة الوطن، ليفسد منظومة الحكم، سيلعنه التاريخ والجغرافية معاً،

لذلك على أرباب الفكر، وأساطين التربية والقائمين على التربية والتعليم، صياغة منظومة أخلاقية تأخد بعين الاعتبار النواحي الأخلاقية والوجدانية لتحقيق إنسانية الإنسان، حتى لا نقع في فخ المعادلة الظالمة التي تقول “نجحنا كأفراد وفشلنا كمجموعات” فليس دورنا أن نكمل عديد البشرية،
ذلك أن الإنسان المجرد من القيم والفضيلة قنبلةً موقوتة سيدفع المجتمع والوطن أثمانها يوماً ما،
فجوهر التربية أخلاق، وعمق التربية هو بناء الإنسان،
التربية قضية قبل أن تكون مهنة، والتعليم رسالة قبل أن يكون وظيفة،

وصدق القائل:
وإذا أصيب القوم في أخلاقهم
فأقم عليهم مأتماً وعويلا

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top