بقلم جوزاف وهبه

إذا كانت الطبيعة تأبى الفراغ، كذلك الساحة السياسيّة ترفض أيّ شكل من أشكال الفراغ، فيأتي من يملأه بما “هبّ ودبّ” في المشهد المحلّي، أو بدول لها حسابات ومصالح ونفوذ في المشهد الخارجي، وهو ما ينطبق على الواقع اللبناني بأشدّ تجلّياته وضوحاً، خاصة وأنّ الفراغ بات يتمدّد، من طائفة إلى أخرى، من كرسي الموارنة الأوّل في البلد، إلى الزعامة الأولى في الطائفة السنّية!

فالصخب الذي يحيط بالمناطق السنيّة في لبنان، ترحيباً وتهليلاً بعودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت للإحتفال بالذكرى 19 لاغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إنّما يقودنا الى مدى الفراغ الذي تعاني منه الطائفة السنيّة التي لم تتمكّن من تجاوز “الحقبة الحريريّة”، لا في استشهاد مؤسّسها ولا في إبعاد وريثه عن سدّة العمل السياسي، حتى إشعار آخر.

وما يزيد الفراغ عمقاً وتأثّراً أنّ المنتفضين فرحاً بعودة “الشيخ سعد” إنّما يدركون بأنّها عودة وجدانيّة وسريعة ومؤقّتة، وأنّها ستكون عابرة ليس إلّا من تأكيد المؤكّد بأنّ الرئيس السابق للحكومة لا يزال الزعيم الأوّل بلا منازع، بالرغم من المحاولات العديدة لردم الهوّة بين الجمهور وبين القيادات السنيّة الناشئة، ولكنّ كلّ ذلك لم يحصل.وقد عبّر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أصدق تعبير عن هذه الإشكاليّة حين استقبل زميله في نادي رؤساء الحكومات على مائدة الغداء في السراي بقوله:”الحريري يعود الى بيتو، ما نحنا منستقبلو هون، هو بيستقبلنا”، واستتبع اللقاء الحار بزيارة إلى الضريح، بمعنى آخر أنّه لا يزال للسراي الكبير، وهي المركز الأعلى للسنّة في لبنان، صاحب واحد هو سعد الحريري!

لقد عاد الحريري، كما رأته العيون والسلفي (المحبّبة إلى قلبه) والشاشات، بما أطلق عليه تسمية “نيو لوك”: فهل لذلك من إنعكاس على اللعبة المحلّية أو “اللوك” السياسي؟.

حتّى الساعة، لا يبدو من خلال طبيعة الزيارات واللقاءات والكواليس بأنّ شيئاً جدّياً قد تبدّل أو أنّ جديداً قد طرأ على الأحوال والظروف التي رافقت خروجه من لبنان ومن التركيبة السياسية الداخلية.في بيت الوسط:الوجوه نفسها. المحبّون أنفسهم والمتملّقون لم يبدّلوا قيد أنملة في عاداتهم المكشوفة والممجوجة. فالصورة مع الرجل لا تزال “ربّيحة” وخاصة في صندوقة الإقتراع، ما يجعل الطامحين إلى مقعد هنا أو هناك يتهافتون في وفود لا تقدّم ولا تؤخّر في المعادلات السياسية المحكومة بحسابات خارجيّة وداخلية متشابكة وشديدة التعقيد، ربطاً بما يدور من تداعيات وتحوّلات مصيرية في المحيط العربي والإقليمي والدولي.

وإذا كانت زيارة القصر الحكومي، وقيام مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان على رأس وفد كبير من المشايخ بتهنئة الرئيس الحريري بعودته، تندرج ضمن التقليد السنوي الذي يرافق مجيئه الدوري للإحتفال بذكرى الإستشهاد، فإنّه يمكن النظر بطريقة مختلفة إلى زيارة السفيرة الأميركية الجديدة ليزا جونسون، من حيث أنّ اللقاء بحضور الوزير السابق غطاس خوري قد استغرق وقتاً طويلاً نسبيّاً، ووصفته بالممتاز، دون أن نغفل إحتمال كونها مجرّد “زيارة تعارف” في سياق زياراتها المشابهة إلى جميع السياسيين اللبنانيين!..

وإذا كان “الصديق المشترك” الرئيس نبيه برّي قد ينجح في الجمع بين كلّ من الحريري وصديق الأمس وليد جنبلاط، بسبب الجفاء الذي رافق ما أحاط بقضيّة أمل شعبان حيث يعتبر “تيّار المستقبل” “أنّ وزير التربية عبّاس الحلبي المحسوب على التقدّمي الإشتراكي قد اضطهدها”، ما أساء الى العلاقة بين الحليفين.. فيبقى المؤشّر السياسي الأبلغ في معاني عودة الحريري إلى بيروت هو: هل سيلتقي مع الدكتور سمير جعجع..أم يجري الإكتفاء بقيام وفد من القوات بواجب الزيارة؟..

لننتظر ما يحمله خطاب الغد على ضريح الشهيد الكبير، ولننتظر أيضاً ما تحمله الأيام القليلة المتبقّية من مفاجآت ولقاءات غير منتظرة في بيت الوسط! ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top