كتب منير الربيع في “الجريدة” الكويتية:
تشهد الساحة السياسية اللبنانية تشابكاً وتقاطعاً بين 3 مسارات، يتصدرها التصعيد العسكري الإسرائيلي في الجنوب المرفق بتهديدات متكررة حول الاستعداد لتوسيع الحرب المسار الأول، فيما يتمثل المسار الثاني بالحراك الدبلوماسي الذي ينتهجه سفراء الدول الخمس المعنية بلبنان للوصول الى صيغة سياسية ودبلوماسية ملائمة توازن بين خفض التصعيد العسكري والتسوية السياسية، والمسار الثالث هو التحركات الشعبية المتقطعة في الشارع، احتجاجاً على الموازنة والأوضاع الاجتماعية.
على المسار الأول، شهدت الأيام الماضية تصعيداً إسرائيلياً في طبيعة العمليات العسكرية، من بينها التركيز على انشاء أحزمة نارية لتقطيع أوصال طرق الإمداد لحزب الله، من دون الفصل بين الاستهدافات داخل لبنان وداخل سورية. يأتي ذلك في ظل تشديد إسرائيلي على نقل التركيز العسكري الى الجبهة مع لبنان. في الموازاة، استدعى هذا التصعيد تحركاً جديداً للمبعوث الأميركي آموس هوكستين الذي وصل إلى إسرائيل في زيارة مفاجئة وخاطفة لنقل رسالة واضحة حول تجنّب التصعيد والحرب مع لبنان.
في هذا السياق، تشير المعطيات الدبلوماسية إلى أن احتمالات التصعيد تتنامى وتتزايد، وهناك كلام جدي في الأوساط عن اقتراب لحظة الحماوة، طالما أن الإدارة الأميركية لم تنجح في فرض وقف إطلاق النار على الإسرائيليين، وبالتالي هناك إمكانية متقدمة لفشلها أيضاً في منع التصعيد تجاه لبنان، خصوصاً أن هذا التصعيد يلقى تأييداً وتحفيزاً لدى المعارضة الإسرائيلية وداخل الحكومة.
في لبنان، لا يزال هناك تأرجح بين استبعاد الحرب والتخوف الجدي منها. حزب الله، يقرأ في الكثير من المعطيات الإسرائيلية التي تشكّل موانع أمام حكومة نتنياهو لشنّ الحرب أو توسيعها. لكنه لا يزال على استنفاره، ويتخذ الإجراءات العسكرية اللازمة، التي تشير إلى أنه يستعد لحرب طويلة الأمد، أو لمواجهة واسعة وقد تكون مفتوحة. في المقابل، هناك تقديرات تشير إلى أن الضربات ستتواصل بنفس الشكل والصيغة، مع إمكانية تكثيفها نارياً وتوسيعها جغرافياً لفرض اتفاق سياسي.
على المسار الثاني، يشهد لبنان حركة دبلوماسية مكثفة لسفراء الدول الخمس، الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، شارك فيها مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، الذي زار بيروت والجنوب أمس. مضامين هذه التحركات تشدد على وجوب خفض التصعيد، وعدم إعطاء ذريعة للإسرائيليين بتوسيع الحرب، إضافة الى السعي لإنجاز تسوية سياسية يتم من خلالها إعادة تشكيل السلطة بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، والدخول في مفاوضات لترتيب الوضع الحدودي.
وينتظر لبنان زيارة لمسؤول فرنسي رفيع آخر الشهر، إما أن يكون المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، أو مسؤولة ملف الشرق الأوسط في الرئاسة الفرنسية، آن كلير لوغاندر. كما ينتظر لبنان إجابات من المبعوث الأميركي آموس هوكستين حول حصيلة لقاءاته مع الإسرائيليين.
ما بين المسارين، برز مسار ثالث على وقع التحقيقات المستمرة مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وعمل الحكومة على إقرار الموازنة المالية العامة. وسط تحضيرات شعبية للمزيد من التحركات الاحتجاجية للمطالبة بتوسيع ملفات التحقيق مع سلامة وعدم حصرها بقضية «أوبتيموم» بتهمة تقاضيه 42 مليون دولار عمولات، وشمول التحقيقات على الأسباب التي أدت الى الانهيار الكبير. في مقابل تحركات المتقاعدين العسكريين على مشروع الموازنة، مما قد يشكل تكاملاً بين التحركات، وسعياً لرفع منسوب الضغط على السلطة لاتخاذ إجراءات إصلاحية، إضافة الى سعي مجموعات متعددة لتوسيع نطاق التحركات وفرض شعار رفض الحرب، كمحاولة لاستعادة توازن سياسي مفقود بانتظار وقف إطلاق النار، والعمل على إعداد تسوية لا يكون لحزب الله الحصة الكبرى فيها. ودعا بوريل، في مؤتمر صحافي، مع وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب في بيروت أمس إلى «تخفيف حدة التوترات العسكرية» في جنوب لبنان، وحثّ «جميع الأطراف على اتباع هذا المسار»، مشددا على أن الاتحاد الأوروبي يبذل «كل الجهود الدبلوماسية لمنع التصعيد في المنطقة» لكنه «لا يملك عصا سحرية». وقال بوريل: «منذ زيارتي الأخيرة إلى لبنان في يناير، طبول الحرب لم تتوقف»، معتبراً في الوقت نفسه أنه «تم تفادي الأسوأ»، ورغم أن «الحرب الشاملة في جنوب لبنان مع اجتياح لم تحصل… لكن الخطر لا يزال قائما».