بقلم سالي عايش – دبيّ
في حوار ملهم ألقاه المصور العالمي جيمس بالوغ في الجامعة الأمريكية بدبي، استعرض بالوغ رؤيته العميقة لدور الإنسان في إعادة تشكيل الطبيعة، مؤكدًا أن التصوير بات وسيلة استثنائية لرصد وتوثيق التداعيات البيئية المتسارعة التي يشهدها عصرنا.
أوضح بالوغ أن المعرفة تراكمية بطبيعتها، وأن الحضارات القديمة، من اليونانية والرومانية إلى العربية، أسهمت في تشكيل فهمنا البصري والمفاهيمي للعالم، مما يتيح لنا اليوم النظر بعمق أكبر إلى علاقتنا المتشابكة مع الطبيعة والبيئة.
عرض بالوغ خلال الجلسة مقتطفات من فيلمه الوثائقي المأخوذ عن كتابه الشهير “العنصر البشري”، الذي يقدّم تحليلاً صارخًا لتأثير البشرية على الكوكب. واستشهد بفقرة مؤثرة من كتابه يقول فيها: “الوقت ينفد، وحقائق الحياة على الأرض لا تقبل الجدل. عند إعادة النظر في هذه الحقائق، نرى بوضوح أن البشرية تغيّر الطبيعة، ونحن وحدنا من يمتلك القدرة على إعادة التوازن للعناصر التي نعتمد عليها”. هذه الكلمات شكلت جوهر الحوار، حيث شدد بالوغ على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات جذرية وحاسمة لحماية الكوكب من التداعيات البيئية الكارثية.
وفي عرض بصري مهيب، كشف بالوغ عن صورة التقطت للأرض من ارتفاع 33 كيلومترًا باستخدام كاميرا وضعت أسفل منطاد للأرصاد الجوية. قال معلقًا: “لطالما حلمت بأن أصبح رائد فضاء، ولكنني لم أنجح في ذلك. ورغم ذلك، هذه الصورة تكشف عن هشاشة كوكبنا عندما نراه من هذا الارتفاع.” هذه اللحظة كانت بمثابة انعكاس عميق لتأملاته حول السمك الرقيق للغلاف الجوي، وهي دعوة صريحة للتفكير في تأثيرنا البشري العميق على الكوكب.
وأضاف بالوغ: “البشر أصبحوا اليوم قوة جيولوجية تضاهي القوى الطبيعية الكبرى مثل الصفائح التكتونية التي تشكل ملامح الأرض. لقد اقترب عدد سكاننا من 8 مليارات، وهذا الوجود الهائل يعيد تشكيل الأرض والتاريخ والصخور.” وشرح أن هذه القوة البشرية تستحق مصطلحًا جديدًا، أطلق عليه اسم “البشرية التكتونية”، ليصف بها حجم التأثير البشري غير المسبوق على الجغرافيا والجيولوجيا. وأشار إلى أن العلماء أطلقوا على الحقبة التي نعيش فيها الآن اسم “الأنثروبوسين”، وهي حقبة تهيمن فيها الأنشطة البشرية على النظام البيئي للأرض.
وتابع بالوغ حديثه عن تجربته الرائدة في توثيق هذه التغيرات المناخية من خلال التصوير، مشيرًا إلى مشروعه الضخم الذي أطلقه عام 2007، حيث قام بتثبيت 43 كاميرا في 24 موقعًا حول العالم لتوثيق التراجع السريع للأنهار الجليدية. قال بحزم: “كان هدفي إظهار الحقيقة البصرية التي لا يمكن تجاهلها. الصور قادرة على إيصال رسائل لا يمكن للكلمات أن تعبّر عنها”. هذا المشروع، الذي وثّق التغيرات المناخية في الوقت الفعلي، مثّل نداءً بصريًا للعالم حول الأزمة البيئية التي تتفاقم يومًا بعد يوم.
وفي ختام حديثه، وجه بالوغ رسالة قوية إلى المصورين الشباب في الجامعة الأمريكية بدبي، داعيًا إياهم إلى التحلي بالفضول الدائم والسعي الدؤوب وراء الحقيقة. أكد على أن دور المصور يتجاوز حدود الفن، ليصبح مسؤولًا اجتماعيًا يلتزم بالقيم الأخلاقية وينقل الواقع بكل أمانة ودقة. كما شدد على أهمية تبني ممارسات صديقة للبيئة في العمل الفوتوغرافي، قائلًا: “مهمتنا ليست فقط في التقاط الجمال، بل في تغيير الواقع وتحفيز العمل من أجل مستقبل أفضل.” بهذه الكلمات، أنهى بالوغ حواره الذي مزج بين القوة الفنية والوعي البيئي العميق، ليترك بصمة لا تُنسى في أذهان الجيل الصاعد من المصورين.