بقلم خالد صالح

يُقال أن شيخًا لإحدى العشائر كان متابعًا بشكل دقيق لأحوال رعيته التي تأخذ جلّ وقته وجهده لمعالجة أمورهم والإهتمام بشؤونهم، ومن شدة تعبه في النهار، كان بعد وجبة الغداء يُحبّ أن يأخذ “قيلولة” صغيرة كي يستعيد نشاطه ليكمل ملاحقة شؤون عشيرته كما ينبغي وبالجهد نفسه، وكان عندما يلجأ إلى فراشه، يقفز “ديك” الجيران إلى حائط السور ويبدأ بـ “الصياح” عاليًا ليقلق “الشيخ ويمنعه من النوم.
فكّر الشيخ في كيفية التخلص من “الديك”، فقصد منزل جاره، الذي رحّب به بشكل لافت، فأخبره الشيخ أنه يريد تناول الغداء لديهم، وأن “شهيته” تطلب “الديك”، وعلى الفور لبى الجار طلب الشيخ و “ذبح” الديك وقدمه لشيخ العشيرة، الذي كان يضحك في سرّه مع كل لقمة بأنه حصل على مراده وتخلّص من سبب القلق والإزعاج اليومي .
في اليوم التالي وأثناء دخول الشيخ لأخذ قيلولته ارتفع الصياح مجددًا لكنه هذا المرة كان فوضويًا أكثر من السابق وعندما نظر إلى السور وجد عشرة من الديكة تصيح على قاعدة “كل يغني على ليلاه”، فذهب إلى جاره يستفسر، فسأله: ألم نذبح الديك بالأمس فمن أين أتيت بهذه الديكة الآن ؟، أجاب الجار: أعزّك الله شيخنا، هذه الديكة موجودة منذ زمن بعيد، لكن الديك الذي ذبحناه، كان يمنعهم من الصياح ومن الارتقاء إلى السور، واليوم أخذوا مجدهم على رأي المقولة “غاب القط إسرح يا فار” ..

توقيت يثير تساؤلات

يأتي لقاء “معراب ٢” في ظل كباش سياسي بعيد “اللقاء الثلاثي” في عين التينة وفي توقيت يثير الالتباس، وكأنه ردٌ على مضمون البيان الداعي للتوافق على رئيس للجمهورية وكأن لسان “جعجع” يقول، رئاسة الجمهورية لن تمرّ من عين التينة لكنها حتمًا ستمر من “معراب”، وأي توافق خارج الإطار الذي رسمته القوات اللبنانية هو مرفوض وسنواجهه، لذلك فإن المشاركة في هذا اللقاء هي التي ستحدد طبيعة المرحلة المقبلة.
إن اقتصار الحضور على أعضاء كتلة “الجمهورية القوية” الحاليين والسابقين والبعض ممن يدور في فلك القوات اللبنانية، وأمام المقاطعة الكبيرة التي لقيها هذا اللقاء خصوصًا من أركان المعارضة أنفسهم، والذين تواجدوا في لقاء الـ ١٧٠١، أثبت أنه لن يخرج من إطار “زوبعة في فنجان” ولن يقدم أو يؤخر وهو مجرد حراك للإدعاء بأن “القوات” تمسك بزمام المبادرة، وفي هذا رفضٌ تام للشكل والمضمون الذي تريده القوات كـ “احتكار” لقيادة المعارضة .
وفي المقلب الآخر يأتي اللقاء كـ “رد قواتي” مباشر على لقاء عين التينة وهذا ما لا تحبذه أطراف المعارضة التي لاتريد خلق مواجهة مفتوحة مع الرئيسين “بري – ميقاتي” ولا تريد قطع “شعرة معاوية مع وليد جنبلاط، ولن تقدم المعارضة “ولاء الطاعة لـ “جعجع” في مرحلة دقيقة تحتاج فيها البلاد إلى بعض التعقل بعيدا عن “الهوبرات الاعلامية” الفارغة والرسائل الديماغوجية الهشة ..
تتعالى الأصوات من كل حدب وصوب، خصوصًا الأصوات التي لم تكن تجرؤ على الظهور، خصوصًا في غياب صوت المنطق والعقل والاعتدال الذي ما تخلّى يومًا عن “لبنان أولا”، ولنعد بالذاكرة قليلا إلى الوراء، لقد بقي “لقاء قرنة شهوان”مقيّدا ببعده الطائفي خمس سنوات، ولم يتحوّل إلى لقاء وطني “بريستول ١ و ٢ و ٣” إلا عندما شارك المكونان السني والدرزي فيه (تيار المستقبل و التقدمي الاشتراكي)، فهل من متعظ ؟

تكرار من دون تعلّم

مرة جديدة تحاول “القوات اللبنانية” أن تثبت حضورها على الساحة من خلال هذا “المؤتمر” عنوانا وليس مضمونًا، حتى خارطة الطريق التي أعلنت ما هي إلا تكرار لمواقفها السابقة لكن تحت مسمّى مؤتمر وطني، فالقرارات الدولية ١٥٥٩ و ١٦٨٠ و ١٧٠١ هي قرارات متفق عليها لكن آلية تنفيذها تتطلب اجماعا وطنيا ليس متوافرا اليوم وليست القوات الجهة المناسبة لتنفيذها، ومرة جديدة تنجح القوات اللبنانية في التخطيط، وتقع في أخطاء بـ “الجملة والمفرق” في الاستراتيجيا، وكأنها اعتادت على السقوط من غير أن تتعلّم ..
“دفاعًا عن لبنان”، عنوان “فضفاض” وجميل وجامع، ومَن من اللبنانيين لايريد الدفاع عن لبنان؟، ومَن من اللبنانيين لايرفع شعار “لبنان أولًا”؟، لكن المسألة التي ترفض القوات اللبنانية تصديقها، أن “معراب” ليست المكان الذي يجتمع فيه اللبنانيون بكافة أطيافهم تحت راية “سمير جعجع !!
هذه اللقاءات التي لاتغني ولاتسمن من جوع، سبق أن أدركنا أنها للاستهلاك الاعلامي لا أكثر، وهي لن تخرج من إطار “محاولة فاشلة” أخرى تقوم بها القوات اللبنانية للفت الأنظار إليها في محاولة استقطاب يائسة واستثمار مبكر لنتائج “الحرب” التي لم تبدأ فعليًا بعد، لتكريس الدور الممكن أن تلعبه “معراب” لاحقًا” في اليوم التالي للحرب، بعد تكريس “زعامتها” المفترضة التي تبحث عنها بـ “السراج والفتيلة” ..
إن الأصوات المرتفعة والمتداخلة طفت إلى سطح الأحداث اللبنانية لأن “لغة الوحدة الوطنية” تمت محاربتها بكل الوسائل وبكل الطرق المتاحة الشرعية وغير الشرعية، لكن هذا الأصوات ما هي إلا استماع لصدى أفكارها فقط، ولهذا فإن أي مؤتمر لا تشارك به كل الأطراف لرسم معالم مستقبل البلد، هو مؤتمر للدعاية وليس للنشر ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top