إلى إعلامنا اللبناني .. لا تكونوا كطائر “الحجل” !!

بقلم خالد صالح

حاولت جاهدًا ألا اتعرّض للمنحى الاعلامي في لبنان في هذه الظروف العصيبة التي نعيش تفاصيلها تحت الحديد والنار، وسلّطت اهتماماتي في كيفية دعم حقنا في الدفاع عن أرضنا من عدوٍّ همجي غاشم ولو بكلمة صادقة، لكن البعض ممن يحملون “أمانة” المهنة تحوّلوا إلى “ببغاوات” يكرّرون منطق العدو وبياناته، وهنا بيت القصيد .عند كلّ مفترق من تاريخنا، وأمام كلّ موقف يٌستشفّ منه ضربًا من ضروب الخيانة، أعودُ بذاكرتي إلى طائر “الحجل” وطباعه المعروفة عنه، لاسيما الطبع الذي يشتهر به وهو الايقاع بأبناء قومه، في إشارة إلى “الخيانة” والتي يتسبب بها بإيقاع الخسائر الجسيمة بأبناء جلدته فقط لقاءَ بعض “الغنج” من صاحبه ..

تُساق حكاية شعبية عن مرور أحدهم في سوق ورؤيته لصيّاد يبيع الطيور التي اصطادها، وحين وجده متحفّظًا على طائر من طيور “الحجل” في قفص، لا يودّ بيعه، استعلم عن سبب عدم بيعه، وحين علم أنّ هذا الطائر يساعد في الإيقاع بأبناء جنسه من أسراب الحجل، أصرّ عليه أن يشتريه، ودفع مقابله مبلغًا أكبر من المعتاد، وبعد ذلك قتله عقابًا له على خيانته لقومه .المهنة أمانةتقف حكاية “الحجل” عند حدود العبرة المتمثلة بنهاية كل خائن، فالخيانة لا تقف عند حدود التعامل المباشر مع العدو، بل في تبنّي أفكاره وطروحاته وتعميمها كثقافة مجتمعية، ولا تعني نهاية عادة “الحجل” في تجسيد الطعم والفخّ وإن كان هو نفسه الفخ، كما لا تقف عند نهاية لأدوار الخونة، لأن كل مرحلة تنتج “خونتها” الخاصّين بها، أولئك الذين ينحدرون من سلالة تبحث عن أدوار على مسرح التاريخ، فلم تُسعفهم الوسائل الشريفة لأداء “أمانة المهنة” فلجأوا إلى أساليب ملتوية لتحقيق مآربهم. إذ كيف يمكن لـ “اعلامي لبناني” بلده تحت النار من عدو مجرم أن يتكلم بمنطق “أفيخاي أدرعي”؟، وكيف لحامل لقب “صاحبة الجلالة” أن يتباهى بما ينشره الناطق الرسمي لجيش مجرم استباح وطننا برًّا وبحرًا وجوًّا؟ .. هناك مقولة متداولة بين أهالينا “الجميع أعداء الحجل، والحجل عدو نفسه”، وفي عُرف صيّادي الحجل أنه لا يمكن صيده إلا من خلال اتخاذ حجل كـ “طعم” للإيقاع بأبناء جلدته، وهكذا البعض من مزاولي مهنة الاعلام في لبنان، يرضون على أنفسهم لعب دور “الحجل” طالما أن الايقاع بخصومه “اللبنانيين” هو النتيجة .

العدو يبقى عدوًّافي ستينيات القرن الماضي، وبينما كان الممثل الأميركي ذي الأصول الإيرلندية “مارلون براندو” يعيش أزهى أيامه ونجوميته في هوليوود، فاجأ أميركا بتصريحات مثيرة ضد الـيهود، وقال أنهم يتحكمون في هوليوود ويملكونها، فثارت ثائرتهم عليه وأصبح المخرجون يتجنّبون التعاقد معه لأن كبار دور السينما في هوليوود يملكها اليهود، فتوعدوا المخرجين بأن أيّ فيلم فيه “مارلون براندو” لن يكون مسموحًا له بالعرض في دور السينما التابعة لهم .. وهكذا ظل “براندو” مهمّشًا قرابة عشر سنوات بسبب هذا الموقف، يشارك في أفلام رخيصة فاشلة بعدما تراجعت نحوميته وتراجعت ثروته، وفي عام 1973، أي بعد 13 سنة كاملة، نسي الناس مارلون براندو .. قررت “بارامونت بيكتشر” أن تحوّل رواية المافيا الأشهر “العراب” لعمل سينمائي، فوقع الاختيار على “مارلون براندو” لدور “فيتو كورليوني”، لكن رئيس الشركة رفض ذلك وقال: “إني أحرّم عليك أن تذكر إسم “مارلون” في مكتبي مرة أخرى ” ..بعد إصرار كبير ومد وجزر من المنتج، تمكن من إقناعهم أخيرًا .. وأدّى “مارلون براندو” أعظم أدواره على الإطلاق، ومنذ ذلك الحين، أصبح “العرّاب” أيقونة الأعمال السينمائية، وهوليوود بكاملها مجرد أفلام أطفال أمام عظمته!!، والأعظم أن “اليهود” أرادوا تكريمه بنفاقهم المعهود وحاولوا أن يكرّموه من خلال جائزة “الأوسكار” التي لهم اليد الطولى في توزيعها على من يخدم قضاياهم، وقف “براندو” شامخًا ورفض استلام الجائزة، لأنه أدرك أنهم من تسبّب له بسنوات من اليأس والاحباط، ولن تكون الجائزة ترضية له، فهم أعداؤه، والعدو يبقى عدوًّا ..

الطبع يغلب التطبع هل يمكن تعديل سلالة الحجل وتغيير طباعه؟، هل يمكن إعادة برمجته بحيث يصدر غناء تحذيريًا لبني جنسه يبعدهم عن الفخّ الذي وقع هو فيه؟، هل يعتبر الحجل من التاريخ أم أنّه أعمى البصيرة لا يقرأ ولا يعتبر ولا يتّعظ؟، هل تمحى خيانة الحجل بصيد حجل آخر وجهل الآخرين أو تجاهلهم لخيانته؟، هل يمكن القول بأنّ تقبّل الحجل للتدجين هو نوع من البراغماتية والواقعيّة أم أنّ ذلك دأب الضعفاء المهزومين في قراراتهم؟، هل يتحرّر الحجل الذي يعامل كطعم جزاء إيقاعه ببني جنسه أم أنّه يظلّ أسيرًا في قفص الصيّاد يستعمله للإيقاع والاستدراج، وحين ينتهي منه يقوم بذبحه ونتفه وشيّه أو قليه والاستلذاذ بلحمه ورمي ما يتبقّى منه؟ ..هل نتحدّث عن “الحجل اللبناني” هنا ونفصّل في طباعه أم ترانا نتحدّث عن لبناني حجل، متحجّل، مستحجل، يواظب على أداء دوره التاريخيّ في الإيقاع وتوسيع رقعة الأسرى من الحجل لاستعمالهم ضدّ قومهم؟.. ألن يدفع هذا السلوك المتّبع هذا النوع للانقراض لأنّه يأكل نفسه وجنسه كنيران ينهش بعضها بعضًا؟ هل يعتبر الحجل من تاريخه أم أنّ ذاكرته كذاكرة السمك سريعة الامّحاء والتلاشي؟ ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top