بقلم خالد صالح
ذات لقاءٍ حواري جرى في الـ ٢٠١٢ جمعني ومجموعة من الزملاء الاعلاميين مع أحد أساتذة علم السياسة والاجتماع في وطننا، تناولنا فيه جملة من القضايا المحلية والإقليمية والدولية، السياسية والإقتصادية والمالية، ومدى انعكاسها – سلبًا وإيجابًا – على واقعنا اللبناني، وفجأة ومن دون أي مقدّمات توقف عن مداخلته التي كنّا ننصت إليها بتركيز وشغف كبيرين وتوجّه إلينا بسؤال أثار دهشتنا : ما اسم صغير الكلب ؟ ..
أثار سؤاله استغراب الحاضرين، وارتسمت على وجوهنا ألف علامة تساؤل عن الغاية من طرحه بهذا الشكل، فالكل يعلم أن “الجرو” هو صغير الكلب، وهذه لا تتطلّب جهدًا لمعرفتها، لكن باطن السؤال غير ظاهره، والإجابة عليه ليست تقليدية، لاسيما وأنت أمام قامة لها باعها الطويل في السياسة وتمتلكُ من الخبرات نحتاج لسنوات وسنوات كي نبلغ شيئا منها .
شدّني السؤال بعنف، وأخذ مني تركيزًا في الخلفية من وراء طرحه، في محاولة لقراءة الإجابة المتوارية بين كلماته، فالتفت إليّ وكأنه ينتظر “الجواب الشافي” منّي، وهو يدرك أنني لا أقرأ السؤال بشكل تقليدي، وسألني : هل وصلت للجواب ؟ .. ومن دون أي تردد قلت له : نعم، صغير الكلب يقال له “كلب ابن كلب” ..
استراتيجية للتنفيذ
بعد مدة التقيت بهذا الرجل منفردًا، ودار بيننا حوار عميق استمر قرابة ثلاث ساعات، وللمصادفة كانت الولايات المتحدة الأميركية تتهيأ لانتخابات رئاسية كالتي تجري اليوم، فسألته عن رأيه فيها وعن مستقبل المنطقة بعدها، فابتسم وقال : يا عزيزي، أميركا قائمة على مفهوم “الاستراتيجيا”، فمعهد الدراسات الاستراتيجية في ولاية “ماساتشوستس” هو المسؤول الأول عن وضع هذه الدراسات لدور الولايات المتحدة في العالم، وكل دراسة يضعها هذا المعهد هناك ثلاثة أمور لا يتم الالتفات إليها:
أولا: لا يهم من يكون “ساكن” البيت الأبيض، ديموقراطي ام جمهوري، فعلى الرئيس أن يتبنى هذه الدراسة ويعمل على تحقيق مبتغاها .
ثانيًا: لا يتم تقييد “الاستراتيجيا الموضوعة” بعامل الوقت، فهي وضعت كي تنفّذ، ولا يتم الانتقال إلى استراتيجية أخرى قبل التأكد من تنفيذ الحالية .
ثالثا: لا يتم الالتفات إلى كلفة تنفيذ هذه الاستراتيجيا، بشريا واقتصاديا وماديا، فهي وضعت لتتفذ، لأن نتائجها ومكاسبها ستكون أكبر بكثير من الأثمان التي دفعت او ستدفع في سبيلها .
وأردف قائلًا: سواء فاز “أوباما” بولاية ثانية او وصل “رومني” الأمر سيّان، الفارق الوحيد أن الديموقراطي يخوض الحروب بالواسطة بينما الجمهوري يخوض الحروب بالمباشر، وبقية الامور على القاعدة المصرية “فولة وانقسمت نصّين” ..
الأمرُ سيّان
يقف العالم اليوم مترقّبا الانتخابات الرئاسية الأميركية ونتائجها، ولمن ستؤول إدارة البيت الأبيض للسنوات الاربعة المقبلة، وهل سيستمر الديموقراطيون من خلال مرشحتهم نائبة الرئيس الحالية “كامالا هاريس” أو ستشهد عودة الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي “دونالد ترامب”، ليس حبًّا بأحدهما، بل لمعرفة “بوصلة” الامور كيف ستتجه للكثير من القضايا، لاسيما الحرب القائمة في المنطقة من قبل العدو الاسرائيلي على لبنان وغزة، والحرب الروسية – الاوكرانية، إضافة إلى المسائل الاقتصادية الكبرى المشتعلة مع الصين .
لقد ارتبطت غالبية القضايا في العالم بالادارة الاميركية سواء بالمباشر او غير المباشر، فهي ومنذ سقوط الاتحاد السوفياتي اوائل تسعينيات القرن الماضي بسطت هيمنتها الاحادية على العالم تحت شعار “مكافحة الإرهاب” والذي كان “الشمّاعة” التي تُعلّق عليها استراتيجياتها الدائمة، والتي استنزفت الكثير من القوى في المنطقة، ماديا واقتصاديا وعسكريا، فالديموقراطي “البليد” يمارس ديبلوماسيته معتمدا على “المراوغة” حينًا وسياسة النفس الطويل حينًا آخر، بينما الجمهوري يذهب إلى خيار المواجهة والحلول الفورية، خصوصًا أن “ترامب” يمارس السياسة من باب التجارة ويبحث عن المكاسب السريعة .
الامر سيّان بالنسبة للشرق الاوسط، فالديموقراطي والجمهوري وجهان لعملة واحدة بالنسبة لربيبهم العدو الاسرائيلي، والرهان على أحدهما ليس في محله على الاطلاق، رغم أن الإثنين يحاولان الآن استمالة الأصوات المتحدرة من “أصول عربية”، بالإدعاء أنهما سيعملان على وقف الحرب القائمة بسرعة، فإن كان الديموقراطي حاليًا يراوغ بذكاء لكنه يدعم العدوان الاسرائيلي، فإن الجمهوري وتحديدا ترامب، اعلن “القدس” عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها .
لذلك فإن نتائج الانتخابات الأميركية بالنسبة لنا تعني استمرارية العمل على تأمين كل ما يتطلبه “أمن اسرائيل”، بغض النظر عما ترتكبه من جرائم ومجازر بحق اللبنانيين والفلسطينيين، والتعويل على هذا أو ذاك هو كـ “ذر الرماد في العيون”، فالحقيقة أن الأميركي يفكّر في مصالحه اولا، وتأمين امن “الولاية” الاميركية الأهم القائمة خارج القارة الأميركية، لأنها تجعلهم في حال سيطرة دائمة على مقدرات المنطقة وخيراتها، وأيًا كان “ساكن البيت الأبيض” المقبل، ينطبق عليه الجواب الفعلي الذي أعطيته عن السؤال : ما اسم صغير الكلب ؟ ..