باسيل ينأى عن حزب الله .. من دون حياء! ..

بقلم خالد صالح

لم تكن القصص الشعبية فقط لأجل الترفيه، بل حملت لنا على الدوام أثرًا كبيرًا ومواقفَ عظيمة، تجعلُنا نقارنُها ببعض الحقائق التي نعيشُها كلّ يوم فننتبه حينها لقيمتها وتأثيرها في مسار حياتنا وتفاصيلها ..
يُحكي أن شيخًا يتزعّم قبيلة وكلّما أتاهُ زائرٌ ينهالُ عليه بالأسئلة السطحية الفاقدة للمغزى، حتّى يضجرَ الزائر ويغادر من دون أن يتمكّن من طرح مسألته ..
ذاتَ يوم حضرَ إلى القبيلة شابٌ من قبيلة أخرى وسأل عن مضافة الشيخ، فبادره الناس بالنصيحة كي لا يذهب لأن كبيرَهم سينهالُ عليه بأسئلته التافهة ولن تأخذ منه حقًا ولا باطل، لكن الشاب أصرّ على الذهاب ومواجهة الشيخ ..
ولدى جلوسه في حضرة كبير القبيلة عاجله بالسؤال فورًا : من أيّ قبيلة أنت ؟، فأجابه الشاب من القبيلة الفلانية، فسأله الشيخ : وكيف حال شيخكم وزعيمكم؟، فأجابَ الشاب: ” شيخنا يستحي !! هنا صمت الشيخ ولم يسأل أي سؤال آخر، الأمر الذي أدهشَ الحاضرين وفاجأهم فبادروه بالسؤال: يا شيخنا لماذا لم تسأل الشاب أي سؤال آخر فقال:
الحياءُ يجمعُ كل شيء، فالكبيرُ الذي يستحي يكون كالمظلة فوق أهله وناسه، والكبير الذي يستحي لا تذهب حقوق الناس عنده أدراج الرياح، والذي يستحي لا يكون جبانًا ولا غدّارًا ولا يخون الأمانة، والذي يستحي لا يبيت شبعانًا وعشيرته جائعة ..

الحياء المفقود

لم يخجل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل يومًا من القفز من جهة إلى أخرى وفقًا لمصالحه، وفي تقييم لأدائه على الأقل منذ الـ 2016 وحتى اليوم، نكتشف أن لاشيءَ يمنعه من التخلّي ساعة يشاء عن أي ارتباط أو اتفاق أو تفاهم مهما بلغ شأنهم، مقابل الحفاظ على مكتسبات أو البحث عنها، فهو من دون حياءٍ يَجهدُ في البحثِ عن وسيلة ما للملمة ما تبقّى من أشلاء مشروعه المتهاوي، باذلًا عصارة فكره في استنباط وسائل تُعيدُ له الحياة بعدما تمادى كثيرًا في غيّه وجبروته وأنانيته وكأن لا أحدَ غيره في هذا الوطن، وهو الذي يعتبر نفسه غريقًا ولم يعد يخشَ البلل ..
لم يلتزم بـ “اتفاق معراب” وباعه عند أول “كوع”، ولم يعد يعنيه “الإجماع المسيحي”، فهو لم يكن أكثر من “وسيلة” بررتها غاية وصول “عمه” إلى كرسي الرئاسة، وبعدها ومن دون حياء سيطر على الرئاسة الأولى وقراراتها ودورها، وتصرّف كـ “الفرعون الصغير” الذي له وحده سلطة التقرير وعلى الناس السمع والطاعة، ضاربًا عرض الحائط كلّ القيم والأصول فأبدعُ في هتك الدستور، فأخذته النشوة وتملكه الغرور والزهو والاعتداد بنفسه، ونفسه أمّارة بالسوء ..
سحب يده من يد الرئيس سعد الحريري، ومارس “رئيس الظل” من دون حياءٍ .. فتملكته مشاعرَ العظمة وأوهام الكمال، ضرب الغرور أبعاد عقله “الثلاثية والرباعية”، فاستحوذ على تفكيره معتبرًا نفسه الأعلى وأن كلّ من هم دونه أقلّ شأنًا ومكانة، يبحثُ عن كيفية الارتقاء حتى ولو غدا مكروهًا وغير مرغوب به، فالناس عنده في مرتبة “الدونية” ويعانون النقص وهو الناجز التام، ولا عيب فيه إن تلعثم واضطرب، أو هاج وماج وافتقد حسّ المسؤولية وحسن إدارة الأزمات، لا نقصان لديه إن تبخّرت منه المعطيات وتاهت منه التعبيرات ..
لم يثبت على مسيرة واحدة مع الرئيس نبيه بري .. ومن دون حياءٍ يهاجمه مرةً ويتزلّف إليه مرات، فالمهم لديه الإشهار بالقول “أنا هنا” ولن يكون بمقدور أحد أن يتجاوزني، لم يستطع باسيل اتخاذ قرارته بصورة سليمة، فانتقل من فشل إلى فشل، وهو الذي وعدَ جمهوره بالتحرر من هيمنة “البلطجي” ودوره وكفّ يده عن التحكم بمفاصل الدولة، لكنه ومن دون حياء أيضًا تراه عند كل مفترق يركض إلى عين التينة لعرض ما لديه.
ومن دون حياء أشهرَ سيفه في وجهِ رفاق الأمس أعداء اليوم في التيار الوطني الحر، فأمسكَ بقراراته و”خلع” من يعارضه بعد أن سيطر على مجلس الأمناء من أعلى الهرم فيه “عمه” حتى آخر عنصر، وأطلق شعار الويل والثبور وعظائم الأمور لمن يعاكس إرادته أو يحاولُ المسّ بسلطانه وهيمنته، حتى تحوّلت “الحالة العونية” إلى وسيلة لسيطرة “الحالة الباسيلية” ..

حزب الله

ما سبق هو من عصارة فكره الخبيث، لكن أن يكسر “الجرّة” مع حزب الله فهذا الأمر ينطبق عليه المثل الشعبي “أكل أكل ت تملّى، وقال الطبيخ مش مقلّى”، من دون حياءٍ لا يُفكّر باسيل إلا كيف يَكبُرُ في عينيّ نفسه لا في عيون الناس، فبدت عجرفته في كل التفاصيل، يتكلّم بنوع من التعالي، يتحرّك في عظمة ويجلس في عنجهية، هي “نفخة” خارجية فارغة من أي مضمون، يعتقدُ أنه شيء ذات قيمة رفيعة، يرى نفسه كبيرًا ويجب التعامل معه على أسس هذه القواعد ..
أن يعتبر باسيل أن “اتفاق مارمخايل” انهار بعدما أسقط حزب الله حجة الدفاع عن النفس وأضعف قوة لبنان نتيجة الحرب القائمة مع العدو الاسرائيلي، فهو يحاول باعتقاده “القفز من المركب” قبل غرقه، ومن دون حياء يحاول انتهاز فرصة دنيئة للمرحلة القائمة، وأن يعتبر التفاهم ميتًا بعد استشهاد الأمين العام لحزب الله، .. من دون حياءٍ يطوي هذا التفاهم بعدما استنفده حتى آخر حرف فيه، كتلة نيابية كبيرة، وزارات على مد النظر، امتيازات في الإدارات العامة، فقط من أجل الغطاء المسيحي لحزب الله، وكأنه يقول نغطي سلاحكم فقوموا بتغطية مصالحنا و .. فسادنا !! ومن دون حياء يجاهر بأن لا خلاف أيديولوجيًا مع العدو الإسرائيلي .. ومن دون حياء يتقلّب في مودته .. ومتقلب الود لا يؤتمن ..
من دون حياءٍ .. يلعب باسيل دور ” الانتهازي” بامتياز، فهو متقلب الودّ لا يؤتمن، يستغل موقعه وأفكاره الخبيثة كي يستحوذ على كل شيء، ينظر لنفسه شامخًا، متناسيًا أن ملأى السنابل تنحني بتواضع بينما الفارغات رؤوسهن شوامخ، وحبّذا لو استخدم ما به من ذكاء في خدمة الوطن والمجتمع، بدلًا من استخدامه لمشاريعه السلطوية، المشاريع التي سقطت إزاء مساعيه في احتكار الموقع والتفرّد في القرار ..
في وطننا المعذّب نريد قادة “تستحي” .. لكن باسيل ليس منهم لأنه “فاقد الحياء” وبوسعه أن يفعل ما يشاء ..

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة: