كتب جوزيف حبيب في “نداء الوطن”:
وقفت أذرع إيران على مدى أكثر من عقد في “خطوط المواجهة” الأمامية والخلفية في وجه إسرائيل، ما استوجب على تل أبيب احتساب كلفة إقدامها على أي “هجوم شامل” يستهدف البنية التحتية العسكرية والنووية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إلّا أن حسابات الدولة العبرية تغيّرت اليوم مع “وضعها”، بمساعدة عصا “العم سام” ودولاراته، غالبية تلك الأذرع في “العناية المركّزة” أو أقلّه في حال من الذهول والوهن، خصوصاً بعدما شاهدوا “درّة تاج” المشروع التوسّعي الإيراني، أي “حزب الله”، يتلقى ضربات قاصمة اغتيل خلالها “ضابط إيقاع الفصائل المُمانِعة” في المنطقة وخليفته… وجعلت الحزب “مُقعداً” في “المواجهة الاستراتيجية” مع إسرائيل.
تمكّنت تل أبيب إلى حدّ كبير من “تحييد” جبهات غزة ولبنان وسوريا على حدودها، فعطّلت أي إمكانية لشنّ هجوم نوعيّ مُباغت كذاك الذي نفّذته حركة “حماس” في 7 أكتوبر 2023 على غلاف غزة، فضلاً عن “تقليمها أظافر” الأذرع الإيرانية، الأمر الذي يحول من دون “إمطارها” بالصواريخ والطائرات المسيّرة بما يفوق قدرتها على التحمّل، بإمعانها بقصف المخازن والمرافق والمنشآت وخطوط الإمداد، العسكرية واللوجستية والمالية، من سوريا إلى لبنان.
الجبهات الآنفة الذكر كانت تشكّل “خطّيْ الدفاع” الأوّلَين والأكثر أهمية عن نظام الملالي في إيران ومصالحه الحيوية وطموحاته النووية، ما يجعل “فقدان” هذين “الخطّين” على حدود إسرائيل الجنوبية الغربية والشمالية والشمالية الشرقية، خسارة جيوستراتيجية وجيوعسكرية جسيمة قد لا تعوّض بالنسبة إلى طهران في “جناحها المتوسّطي” الذي “سقط أمنيّاً” بحكم التطوّرات الأمنية والعسكرية خلال الشهور الماضية، بحسب خبراء عسكريين.
كما استطاعت إسرائيل “تقزيم” فعالية “جبهتي مساندة” بعيدتين بنسب متفاوتة، وهما العراق واليمن، بدعم عسكري مباشر من القيادة المركزية الأميركية التي وجّهت “ضربات جراحية” للفصائل الشيعية “الولائية” في العراق والمتمرّدين الحوثيين في اليمن على مراحل مختلفة بعد عملية 7 أكتوبر، بينما يرى الخبراء أن تل أبيب لم تنتهِ بعد من “تصفية حساباتها” مع الميليشيات الإيرانية في “بلاد الرافدين” وحتّى في “العربية السعيدة”.
إضافةً إلى كلّ تلك الجبهات، تعاملت الدولة العبرية بلا رحمة مع “فروع” الأذرع الإيرانية وحلفائهم المحلّيين في الضفة الغربية، فشنّت غارات جوّية قاسية ونفّذت “عمليات خاصة” استهدفت “مجموعات جهادية” واغتالت قادة ميدانيين من “رتب” مختلفة وأجهضت “مخطّطات هجومية” ودمّرت “بنى تحتية” شبه عسكرية ومدنية. وتالياً، منعت “البيئة الأمنية” في الضفة من الخروج عن السيطرة حتّى اللحظة، في وقت خاضت فيه تل أبيب “حرب جواسيس” مع طهران، فكشفت عملاء للأجهزة الإيرانية في “العمق الإسرائيلي” وفكّكت “خلايا استخباراتية” وأحبطت مخطّطات اغتيال، وفق تقارير إسرائيلية وغربية.
المقاربة الاستراتيجية والجيوسياسية والأمنية الإسرائيلية اختلفت جذريّاً ما بعد هجوم 7 أكتوبر عمّا قبله. ويؤكد الخبراء أنه وبنتيجة العمليات العسكرية الإسرائيلية العنيفة والمكثفة في دول وساحات عدّة منذ ذاك “التاريخ المفصلي”، صارت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مكشوفة بشكل شبه كامل أمام الدولة العبرية التي ثبّتت تفوّقها العسكري والتكنولوجي ضدّ “الأخطبوط الإيراني”، من أذرعه التي أصبحت مقطوعة أو معطوبة أو مستنزفة، حتّى رأسه المتوجّس من “اليوم التالي”.
اختبرت طهران مدى الهوّة السحيقة الفاصلة بين قدراتها وتلك التي تتمتّع بها تل أبيب، بعد تبادلهما الضربات. أضف إلى هذه المعطيات المستجدّة في موازين القوى، استعداد الرئيس الأميركي المُنتخب دونالد ترامب الذي كان عرضة لمخطّط إيراني لاغتياله، لتسلّم مفاتيح البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المقبل، وهو الرئيس السابق الذي انسحب من الاتفاق النووي الإيراني وفرض سياسة “الضغوط القصوى” على طهران وأخرج “مهندس” المشروع التوسّعي الإيراني قاسم سليماني من “المشهد الإقليمي”، لتغدو واضحة وضعية “القلعة الإيرانية” على “طاولة الشطرنج” الشرق أوسطية.
اعتادت طهران “الهروب” من أزماتها باعتماد نهج “حياكة السجّاد” في مفاوضاتها مع حلفائها وخصومها وأعدائها، في حين ستشارك في “محادثات نووية” مع “الترويكا الأوروبّية” في جنيف غداً الجمعة وفق هذا المسار بالذات. توعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إيران وبرنامجها النووي، بعد إعلانه الموافقة على وقف إطلاق النار مع “حزب الله”، فيما يحسم الخبراء أن سرديات “توازن الرعب” و”معادلة الردع” التي تباهت بها الأذرع الإيرانية لسنوات، أضحت الآن من الماضي، مؤكدين ارتفاع احتمال استغلال تل أبيب الفرصة المتاحة أمامها في لحظة مؤاتية مستقبلاً لطيّ صفحة البرنامج النووي الإيراني إلى الأبد، وربّما إطاحة نظام الملالي بمباركة واشنطن ودعمها.