
بقلم خالد صالح
هل انتهت الحرب ؟
ما إن تمّ الاعلان عن التوصّل إلى اتفاقٍ لوقفِ إطلاق النار، بدأت تساؤلاتٌ كثيرة تجتاحُ اللبنانيين على اختلافِ مشاربهم، لكنّ السؤال الأبرز: هل فعلًا انتهت الحرب؟.
بعيدًا عن تفاصيل الاتفاق وبنوده، وعلى وقع تباين حاد في تحديد مفهوم نتائج هذه الحرب، بين اعتبارها “انتصار” كبير كرّس وجود حزب الله، ورؤيتها “انكسار” ضخم يفترض أن يدفع بحزب الله إلى التموضع “لبنانيا” والشروع في تسليم سلاحه والتعايش مع الدولة، لأن الدويلة التي أرادها سقطت إلى غير رجعة، وبين المشهدين وقف اللبناني عالقًا ومتسائلًا : هل انتهت الحرب ؟ وهل هي آخر الحروب ؟.
المتابع للواقع اللبناني يستخلص أن الانقسام الحاد حول تحديد أيّ من المفهومين هو الأقرب إلى الواقع بلغ أشدّه لحظة سريان الاتفاق، ولأن عوامل قراءة الأحداث وتحليلها تختلف من زاوية كل فريق، فإن “الكباش” الداخلي مرجّح الاستمرار، مع ترقّب وخشية من أن يتحّول إلى مواجهات حادة “سياسيًا” وربما أبعد من هذا !!..
ترقيع أم معالجة
يقفُ لبنان اليوم على “مفترق” دقيق وحاسم، فما بعد 27 تشرين الثاني 2024، لن يكون أبدًا شبيها بمرحلة ما بعد 14 آب 2006، فالانقسام الحاد بلغ أشدّه بين الذين رأوا أن هذه الحرب وضعت لبنان بطريقة مباشرة بين “أنياب” إسرائيل وأدّت إلى ما أدّت إليه من ضحايا ودمار في البنى التحتية، وأنه آن الأوان كي تتفكك منظومة “الدويلة” التي سيطرت على البلاد خلال العقدين الأخيرين أقله، وبين الذين يرون في هذه الحرب انتصارًا يُسجل ويجب البناء عليه سياسيًا في المرحلة المقبلة .
لكن المخيف في الأمر، أن نقاط “المنتصف” تكاد تكون غير موجودة على الاطلاق، فلا قواسم مشتركة يمكن الاستناد عليها، حتى القضية الأبرز هذه الفترة “انتخابات الرئاسة”، لاتزال موضع تجاذب كبير ومن دون أفق، بالرغم من أن رئيس المجلس النيابي قد حدد مبدئيا التاسع من شهر كانون الثاني المقبل موعدا لجلسة انتخابات، لكن حتى اللحظة لابوادر تلوح في الأفق من انتاج توافق.
ما أسفرت عنه هذه الحرب أن “المسألة اللبنانية” باتت بحاجة إلى معالجة كاملة وشاملة وليست مداواة بالمسكنات، فسياسة “الترقيع” ليست بالمناسبة للخروج من الواقع الحالي، لأنها عودٌ على بدء، وستبقي البلاد عرضة لمخاض جديد في مراحل لاحقة، ولا خيار سوى باتباع سياسة بناء الدولة بكل مؤسساتها وقيادة البلاد نحو بر الأمان، حتى وإن تطلب الأمر بعض الشدة، وعلى الأطراف المعنية التشاور والحوار لأنهما السبيل الوحيد لإيجاد الحلول المنطقية لأزماتنا المتلاحقة .
العقلانية المطلوبة
مَن يُتابع صفحات التواصل الاجتماعي يُدرك تمامًا أن الوضع الداخلي في لبنان يعيش احتقانًا كبيرًا بين “المعسكرين”، لاسيما أولئك الذين استبقوا كل النتائج بإعلان “هزيمة” حزب الله لابل “نهايته” من الحياة السياسية، ومن ناحية ثانية الذين بدأوا بالتلويح أن مكاسب “الانتصار” ستُترجم في السياسة، وبين اللغة العالية المستخدمة والتهديدات المتبادلة، يخشى العقلاء في البلاد من تمادي هذه الأمر، وأن نخرج من حرب مدمرة إلى حرب أقل ما يُقال فيها ستكون “فانية” .
من هنا فإن “العقلانية” الراشدة مطلوبة هذه الفترة وأن يترفع المتعاطون في الشأن العام عن خطابات الوعيد و “ما بيشبهونا” من الطرفين، وأن يسود الحوار أروقة المسؤولين على قاعدة “لا يموت الديب ولا يفنى الغنم” كي يتشارك الجميع واجباتهم في وضع لبنان على سكة الخلاص، لأن المرحلة المقبلة تحتاج إلى العقلانية الحقيقية التي تُقدّم البلاد على كل شيء، وهذه المرة نحن وحدنا سنكون المسؤولين عن النتائج .
القصة لم تنتهِ بعد، وحتى اللحظة يبدو أن الاتفاق ولد “هشًّا” وهو عرضة للانهيار في أي وقت ومن الواجب استغلال المرحلة لكسر حال الجمود الداخلي، فالعدو لا يؤتمن ولنا تجارب كبيرة مع غدره، ومخاطر انهيار الاتفاق تفوق فرص نجاحه، وهذا ما يبدو من خلال ما سُجّل من خروقات من صباح الأربعاء الماضي، وعلينا استغلال هذه الفترة لبلورة حلول لأمورنا العالقة .
إن مهلة الشهرين المُحددة في الاتفاق لانسحاب قوات العدو الإسرائيلي من جنوب لبنان، وانتشار الجيش اللبناني في المنطقة، وتخلي حزب الله عن وجوده المسلح على الحدود جنوبي نهر الليطاني، ستكون فترة اختبار طويلة نسبيًا لتحديد ما إذا كان الاتفاق قابلًا للتطبيق في نهاية المطاف.