كتب منير الربيع في “الجريدة” الكويتية:
ينتظر لبنان المواكبة الفعلية والعملية لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار وتفعيل عمل لجنة المراقبة، وسط ضمانات دولية وأميركية بالتحديد وصلت إلى لبنان بدفع إسرائيل إلى الالتزام بالاتفاق وعدم خرقه.
بالتزامن يتحرك ملف الانتخابات الرئاسية وإعادة تشكيل السلطة بفعالية وسط محاولات لبنانية لإنجاز الاستحقاق في جلسة 9 كانون الثاني، في مقابل بروز مفاجأة على لسان مسعد بولس، وهو مستشار الرئيس الأميركي المنتخب لشؤون الشرق الأوسط، إذ قال في تصريحين متتاليين، إنه يمكن للبنانيين تأجيل عملية الانتخاب شهرين، وهو يقصد إلى ما بعد تولي ترامب السلطة وتشكيل فريق عمله كاملاً. ويعلم اللبنانيون أن تحديات كبيرة تنتظر الدولة ولجنة مراقبة آليات تطبيق القرار 1701، والتي ستبدأ عملها في وضع خطة تفصيلية لكيفية انتشار الجيش اللبناني في الجنوب، ومعالجة الخروقات الإسرائيلية. إلى جانب أهداف إسرائيل في إظهار يدها العليا في هذا الاتفاق، هناك أهداف أخرى تريد تحقيقها من خلال مراكمة عناصر الضغط على لجنة المراقبة والجيش اللبناني لإخراج «حزب الله» من جنوب نهر الليطاني.
ويترافق ذلك من تصريحات أميركية واضحة حول ضرورة تطبيق الاتفاق بحذافيره وأن يتولى الجيش مهمة إخراج «حزب الله» من تلك المناطق، وسط ضغوط أميركية تتوضح أكثر على لسان مسؤولين في الإدارة الحالية أو في فريق عمل ترامب، أن مهمة الجيش هي التأكد بنفسه من إخراج الأسلحة وإفراغ المخازن والمواقع، وصولاً إلى كلام بولس عن شمول الاتفاق لشمال نهر الليطاني وسحب الأسلحة الخارجة عن الدولة على كل الأراضي اللبنانية، وذلك يعطي إشارة إلى المسار الذي ستسلكه إدارة ترامب تجاه لبنان.
بانتظار هذه الترتيبات والوقائع، يتقدّم الاستحقاق الرئاسي، وهو عنوان لا ينفصل عن العنوان الأول، ولذلك هناك إصرار لدى فريق ترامب على تأجيل إنجاز الانتخابات الرئاسية إلى ما بعد تسلّمه السلطة، وتصل إشارات واضحة إلى اللبنانيين أنه لا يتم تمرير الانتخابات الرئاسية قبل العشرين من كانون الثاني، لأن هناك وجهة نظر في واشنطن تستند إلى تجربة عام 2016 عندما تم انتخاب ميشال عون قبل 8 أيام من انتخاب ترامب. ومن الواضح أن السياق المراد فرضه سياسياً ورئاسياً في لبنان، يسعى إلى تكريس واقع جديد، يتماهى مع رؤية ترامب للبنان والمنطقة، وهو الذي كان قد تحدث سابقاً عن إحلال السلام.
على الأرجح أن ما يريده ترامب هو محاولة فرض تسوية سياسية تتماهى مع رؤيته للمنطقة، وهو المقصود بعدم الانتخاب عشوائياً، بغض النظر عن لعبة الأسماء التي بدأ اللبنانيون بتداولها والغرق فيما بينها. ما يريده ترامب بحسب المعلومات هو فرض معادلات جديدة سياسياً، ومن ضمن شروطها تكريس استقرار طويل الأمد يوفر لإسرائيل الأمن، وهو ما ينطبق على لبنان وسوريا معاً وفق الاستراتيجية الأميركية. وسط اعتماد سياسة إنهاك لكل هذه الدول التي تعتبر منضوية تحت «النفوذ الإيراني» وجعلها في موقع غير قادر على الرفض، كما أن الحروب التي تؤدي إلى دمار كبير وانعدام القدرة على إعادة الإعمار هدفها ربط هذه المساعدات أو الاستثمارات في إطار السياق السياسي الجديد الذي يُراد فرضه.