بقلم جوزاف وهبه

ما بين حرب 2006 وحرب 2024/2025، تبدّلت الأحوال أيّ تبديل.بعد حرب تموز كانت تفوح رائحة الإنتصار في ربوع حزب الله حيث استثمر النتائج في اللعبة السياسية الداخلية، ممسكاً بقرار السلم والحرب في لبنان، وممسكاً بالتوازنات السياسية، ما وفّر له فيها كلّ الغلبة، فكان أن حلّ الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية، وصال وجال جبران باسيل في الوزارات والإدارات الرسمية، فيما انكفأت 14 آذار علّها تحمي رؤوسها من شرّ الإغتيالات والتنكيل بالحريات العامة.
وقد بادرت الدوحة آنذاك إلى إدارة ملفّ عمران ما تهدّم في الضاحية والجنوب، وفق آليّة مصالح وحسابات الثنائي الشيعي..فكان الصوت المرتفع:شكراً قطر!
في حرب إسناد غزّة ووحدة الساحات وفي الطريق إلى القدس والصلاة معاً في المسجد الأقصى، خرج المتقاتلون بمعادلة جديدة بين رابحين وخاسرين. فرغم الإنكار العلني (الخجول) يدرك قادة حزب الله (من الشيخ نعيم قاسم إلى الحاج وفيق صفا) أنّهم قد خسروا الحرب، وربّما تكون هي الأخيرة في الصراع التاريخي العربي – الإسرائيلي بعد السقوط المدوي ل “قلب الممانعة النابض” نظام بشار الأسد، كما يدركون أنّ محورهم، بمن فيهم نظام الملالي في طهران، إنّما هم في خطر حقيقي وداهم خاصّة مع دخول الرئيس الجمهوري دونالد ترامب الى البيت الأبيض.
كما تدرك بيئة الحزب الشيعية – وهنا أصل التحوّل – أنّها قد فقدت ما لا يمكن تعويضه بمجرّد نشوة الإنتصار الموهوم: هناك هزيمة في الميدان (كلّ يوم ترفع عناصر الدفاع المدني عشرات الجثث والأشلاء من تحت ركام المنازل والأبنية في القرى والبلدات الجنوبية المهدّمة)، وهناك قيادة قد اقتلعت من جذورها بدءً بالرأس الأمين العام حسن نصرالله مروراً بالبديل و بديل البديل وصولاً إلى القيادات العسكرية المؤسِّسة و الناشئة، و هناك شبكة مصالح ماليّة جرّاء الهيمنة الإقتصادية – الأمنيّة على كلّ من المطار و المرفأ قد انتقلت إلى “أيدٍ أمينة من الجيش اللبناني والجيش الأميركي”، و هناك بالأخصّ حجم مهول من الدمار ما لا يستطيع الحزب (أو النمر الجريح بجراح لا شفاء منها) أن يتحمّل أعباءه دون “اليد السعودية” الممدودة بشروط سياسية عالية، وعالية جديداً..
وبالتالي ليس صدفة أن تغيب يافطات “شكراً قطر”، لترتفع في شوارع بيروت يافطات “شكراً السعودية”..فما الذي يعنيه هذا التبدّل بين “شكر” الإمارة الصغيرة و “شكر” المملكة الكبيرة؟
طبعاً ليس تحوّلاً في الشكل فقط، بل في عمق السياسة التي ستدير البلد في السنوات القادمة:
العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية ب 99 صوتاً بمن فيهم نوّاب الثنائي الشيعي، بعد أن اضطرّوا مرغمين لاستبعاد المرشّح “الذي يحمي ظهر المقاومة” سليمان فرنجية، أو مَن يشابهه في البروفايل الممانع!
القاضي نوّاف سلام رئيساً مكلّفاً بتشكيل حكومة العهد الأولى ب 84 صوتاً بعد أن انقلب على الرئيس نجيب ميقاتي عتاة مؤيّدي ترشيحه، و يصحّ القول في هؤلاء جميعاً “من بيت أبي ضُربت”، كما تصحّ تسمية “خيانة ما بعد الظهر..” تيمّناً بتنكّر الرسول بطرس للمسيح “ما قبل صياح الديك”!
تشكيلة الحكومة، كما يرشح من الأوساط المتابعة، لن تكون على قياس أحد. وبالطبع لن تكون على قياس محمد رعد و علي حسن خليل و جبران باسيل.
فكما تمظهرت الهزيمة العسكرية (رغم محاولات الإنكار اللفظية الباهتة، ليس إلّا) في “إسمَي” رئيسيّ الجمهورية والحكومة، ستستكمل زخمها في الوجوه الوزارية المنتظرة:لا مكان للفاسدين بين الوافدين الجدد، لأنّه ببساطة شديدة “لا أموال و لا إستثمارات” قبل عملية جراحية قاصمة في فساد جسد الطبقة السياسية المترهّلة، و “لا إعمار ولا تعمير” قبل البدء الجاد والعمليّ بتنفيذ كافة مندرجات القرار الدولي 1701، حسب تفسير أصحاب الأموال و الإستثمارات، وليس حسب ما يشتهي وفيق صفا و محمود قماطي و النائب حسن فضل الله. هؤلاء حكّام لبنان ما قبل الحرب. وكما في كلّ الحروب، هناك فريق خاسر و فريق رابح، و بما أنّهم ينتمون إلى فريق الخاسرين، فلا يدَ طولى لهم في قادم الأيام، كما في زمن “شكراً قطر” حين أعادوا البناء فوق الأنفاق و الصواريخ، و هو ما لا يمكن له أن يتكرّر في زمن “شكراً السعودية”.
مع دخول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، نكون قد دخلنا في تطبيق الفصل الأخير و المثير من تكوين “الشرق الأوسط الحديث”، و لبنان لن يكون بعيداً عن زلزال إعادة رسم المنطقة بخيوط الإمبراطورية الأميركية الصاعدة من جديد..و لعلّ القاعدة العسكرية، على شكل سفارة في عوكر، تقول ذلك، و أكثر من ذلك أيضاً!

شارك المقال

WhatsApp
Facebook
Twitter
Email
Telegram
Print

مواضيع ذات صلة:

Scroll to Top