
يشعر اللبنانيون للمرة الأولى منذ سنوات ببارقة أمل مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، واختيار القاضي الدولي نواف سلام لرئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة من أصحاب الكفاءات والخبرات بعيداً عن المنظومة السياسية التقليدية التي ارتبطت بالفساد.
إن هذه التطورات أعطت دفعة من الثقة في مستقبل البلاد، حيث تحظى الحكومة الجديدة بدعم عربي ودولي، وسط أجواء من التفاؤل الوطني بقدرتها على تحقيق إصلاحات فعلية تضع لبنان على مسار التعافي.
لكن المهمة ليست سهلة، فالتحديات التي تواجهها الحكومة تتطلب جهداً استثنائياً وخطة متكاملة لمعالجة الأولويات المتشابكة. على رأس هذه الأولويات يأتي استكمال الانسحاب الإسرائيلي من القرى الحدودية، إلى جانب إعداد بيان وزاري قادر على مخاطبة المجتمع الدولي وحشد الدعم اللازم للنهوض بالبلاد. كذلك، تعدّ الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والمالية من الركائز الأساسية التي يجب العمل عليها دون تأخير، إلى جانب تأمين التمويل المطلوب لبدء عملية إعادة الإعمار.
إن الأزمة النقدية وانهيار العملة الوطنية من القضايا الملحة التي تحتاج إلى إجراءات سريعة، خاصة فيما يتعلق بإيجاد حلول عادلة وشفافة لأموال المودعين المحتجزة في المصارف. هذا الملف الحيوي يرتبط بشكل مباشر بإعادة الثقة بالقطاع المصرفي، وجذب الاستثمارات التي يحتاجها الاقتصاد اللبناني للخروج من أزمته العميقة.
إن تصريحات رئيس الجمهورية حول التزامه بتنفيذ ما ورد في خطاب القسم، والعمل بموضوعية لمعالجة الملفات العاجلة، أكدت للبنانيين جدية العهد الجديد في التعاطي مع الأزمات. كما أن رئيس الحكومة حرص خلال حديثه التلفزيوني على مصارحة الشعب بحجم التحديات، متجنبًا إطلاق الوعود غير الواقعية، ومؤكدًا أن الإنجازات لن تتحقق بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى عمل دؤوب واستراتيجية واضحة.
علاوة على ذلك، إن المقاربة الواقعية التي يتبعها رئيس الحكومة تعكس رغبة حقيقية في إحداث تغيير حقيقي، بعيداً عن الشعارات السياسية والمناورات التي اعتاد عليها اللبنانيون. كذلك، إن الابتعاد عن المزايدات والتجاذبات السياسية ضرورة لضمان نجاح الحكومة في مهمتها، خاصة أن المرحلة الحالية تتطلب تعاونًا وتضامنًا وطنيًا لمواجهة التحديات المشتركة.
أخيراً، في ظل هذا المشهد، تبقى محاولات بعض الأطراف استغلال التطورات الجديدة لمصالح حزبية ضيقة خارج إطار التحدي الوطني الأوسع. لذلك، ستفرض المرحلة المقبلة العمل الجاد بعيدًا عن الحسابات السياسية التقليدية، والتركيز على تنفيذ الإصلاحات التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر. نجاح هذه الحكومة مرهون بقدرتها على تحقيق خطوات ملموسة على أرض الواقع، واستعادة ثقة المواطنين بالدولة، بعد سنوات من الفساد وسوء الإدارة.
المصدر: اللواء، صلاح سلام