
تواصل نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إطلاق تصريحات حادة تثير الجدل، وصلت مؤخراً إلى حد انتقاد شخصيات سياسية لبنانية.
ولم يكن مستغرباً أن تهاجم أورتاغوس خطاب نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، إذ تُصنّف واشنطن “الحزب” عدواً رسمياً منذ تفجيرات مقر المارينز في بيروت عام 1983، كما أدرجته على لائحة الإرهاب والعقوبات. من جانبه، يرى “الحزب” في الولايات المتحدة “الشيطان الأكبر”، وقد بُنيت استراتيجيته وأيديولوجيته على أساس العداء لها.
وفي حين يبدو تبادل الاتهامات بين الحزب ومسؤولين أميركيين أمراً مألوفاً، فقد أثار التهكم العلني من أورتاغوس على الزعيم الدرزي وليد جنبلاط استغراباً واسعاً. فبعد تصريح جنبلاط بأن شروط أورتاغوس على لبنان مستحيلة، ردّت الأخيرة عبر منصة “إكس” قائلة: “المخدرات مضرة يا وليد”، ليرد جنبلاط بوصفها بـ”الأميركي القبيح”.
تاريخياً، ينتمي البيت الجنبلاطي إلى المحور الشرقي، إذ أقام كمال جنبلاط علاقات وثيقة مع الاتحاد السوفياتي، ورفض ربط لبنان بالمحور الغربي. وبعد انتقال الزعامة إلى وليد جنبلاط، تحالف مع سوريا. إلا أن اغتيال الرئيس رفيق الحريري شكّل نقطة تحوّل، فابتعد جنبلاط عن دمشق، وانخرط في تحالفات مع الأميركيين، وقاد “ثورة الأرز”. منذ عام 2005، بات جنبلاط هدفاً لحملات من حزب الله ومحور “الممانعة”، الذين وصفوه بأنه “أداة أميركية”.
لكن اللافت أن الهجوم الأميركي الأخير على جنبلاط لم يصدر عن شخصية إيرانية أو حليفة لطهران، بل من مسؤولة أميركية، ما يثير التساؤلات. وتشير معطيات إلى أن موقف أورتاغوس لم يكن عفوياً، بل رسالة سياسية مشفّرة تحمل أبعاداً واضحة.
وتكشف مصادر مطّلعة أن جذور هذا التصعيد تعود إلى زيارة الشيخ موفق طريف، الزعيم الروحي للدروز في إسرائيل، إلى الولايات المتحدة، حيث عقد لقاءات مع مسؤولين أميركيين، بينهم السيناتور تيد كروز. وخلال الزيارة، شدّد طريف على ضرورة حماية الدروز في سوريا ولبنان، مشيراً إلى أن جنبلاط لا يمثلهم، بسبب تذبذبه السياسي وتعامله مع أكثر من محور. وقد لبّى الأميركيون النداء، وأجروا اتصالات مع الحكومة الإسرائيلية، التي هدّدت النظام السوري بردّ قاسٍ إذا ما تعرّض للدروز.
وفي هذا السياق، يمكن قراءة تغريدة أورتاغوس على أنها رسالة مباشرة لجنبلاط مفادها: “لا أحد فوق المساءلة”، وأن مواقفه أصبحت تحت المجهر. كما أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والتي حدّت من وصول بعض المسؤولين مثل جون بولتون ومايك بومبيو إلى دوائر القرار، أثّرت أيضاً على حظوظ جنبلاط في الحفاظ على الدعم الأميركي.
منذ عام 2005، حظي فريق من قوى 14 آذار بدعم لوبي أميركي مؤثر، لكن مع تراجع هذا النفوذ، بدأ السقف الأميركي بالابتعاد تدريجياً، أولاً عن سعد الحريري، والآن عن جنبلاط. وقد جاءت زيارة أورتاغوس الأخيرة إلى لبنان، ولقاؤها برئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع دون لقاء جنبلاط، لتؤكد هذا التراجع.
كما ساهمت تسويات جنبلاط بعد انتفاضة 17 تشرين، ومشاركته في حكومات خاضعة لهيمنة “حزب الله”، ومحاولاته تدوير الزوايا من خلال نبيه بري، في تعزيز القناعة لدى الأميركيين بأنه لم يعد يعبّر عن خط سياسي مستقل أو متماسك.
اليوم، يجد جنبلاط نفسه في موقف حرج أمام واشنطن، في ظل حديث متزايد عن احتمال إدراجه على لائحة العقوبات التي يبحثها الكونغرس الأميركي. وبينما لا شيء مؤكداً حتى الآن، يبدو واضحاً أن جنبلاط لم يعد قادراً على الاستمرار بنهجه السابق. وبينما يُعرف عنه براعته في المناورة السياسية، يبقى السؤال: هل يخطئ هذه المرّة في “الكوع”؟
المصدر:ألان سركيس
نداء الوطن